لم يشهد الموقف الأميركي في عهد إدارة الرئيس دونالد ترامب بشأن الحرب الإرهابية على سورية أي تغيرات جوهرية عن الإدارة السابقة، وبقي القاسم المشترك بين الإدارتين هو العمل على منع السوريين من إنجاز حل سياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن (2254).
إن الأدلة على عرقلة واشنطن للحلّ السياسيّ في سورية كثيرة وذروتها تتمثل في تنصّل إدارة أوباما من اتفاق وزيري خارجية البلدين سيرغي لافروف وجون كيري في آخر لحظة حول تحديد الجماعات الإرهابية وأماكن تمركزها لأسباب سياسية.
وفي إدارة ترامب لم يطرأ أيّ جديد على الموقف الأميركي في هذا الاتجاه، وبدلاً من أن تعمل هذه الإدارة مع روسيا للقضاء على التنظيمات الإرهابية وفسح المجال أمام الشعب السوري لرسم مستقبل بلاده بنفسه من دون تدخل خارجي تقوم بأعمال ميدانية على الأرض السورية تعيق جهود الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب، عبر إقامة جزر لتنظيمات إرهابية تدعي صلتها بـ «المعارضات السورية» التي تتبع لقوى إقليمية ودولية.
طبعاً قد يستغرب البعض حديث واشنطن عن الحلّ السياسيّ في سورية، وبالمقابل عملت كلّ ما من شأنه منع تحقيق ذلك، وهذا يرتبط بمدى تحقيق هذا الحلّ للمصالح الأميركية ومصالح الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط.
حتى اليوم لا تقبل واشنطن بهزيمة أجرائها وأدواتها الإرهابية في سورية وهي بمناوراتها الجديدة سواء في المنطقة الحدودية مع الأردن والعراق أو بالحوار مع روسيا حول الحلّ في سورية تحاول خلط الأوراق المحروقة أصلاً، واستهلاك المزيد من الوقت لتجنب عواقب هزيمة أدواتها الإرهابية على مصالحها في المنطقة وعلى حلفائها الذين يتخبطون فيما بينهم ويتخوفون من ارتداد الإرهاب على دولهم.
لا شكّ أن إدارة ترامب أمام حائط مسدود في سورية في ظلّ الهزائم التي يلحقها الجيش العربي السوري بالتنظيمات الإرهابية التي عوّلت عليها واشنطن لإنجاز تغيير «جيوسياسي» في منطقة الشرق الأوسط، وهذه الإدارة أيضاً أمام مأزق تشتت وتفكك أدواتها في المنطقة، وخاصة في الخليج بعد التنامي السريع لخلافات سياسية ليست بعيدة السبب عن الصراع القبلي وعن دعمها للإرهاب في سورية والعراق والفشل الذريع في تحقيق أيّ من مراميها العدوانية.
بالتأكيد إن خيار معارضة واشنطن لإنجاز الحلّ السياسيّ في سورية لا يمكن أن يحقق لها ما عجزت عن تحقيقه بواسطة الإرهاب، وواقع الميدان والتطورات السريعة في هزيمة الإرهاب لن يترك أمام واشنطن إلا الرضوخ للأمر الواقع ومغازلة المنتصر على الأرض بغض النظر عن عواقب ذلك على حلفائها، وفي نهاية المطاف ستكون الغلبة للبراغماتية الأميركية وترك حلفاء وأجراء واشنطن أمام واقع لا يحسدون عليه.
من الواضح أن من أهداف التحركات الميدانية الأميركية في الجنوب الشرقي السوري هو تحويل الأنظار عن انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه في المعركة ضدّ الإرهاب، ولكن فشلت إدارة ترامب في هذا الجانب حيث انفضح الموقف الأميركي في مكافحة الإرهاب حين استطاع هذا الجيش طرد تنظيم «داعش» من مساحات واسعة جداً في الميدان السوري، في حين فشل تحالف واشطن بالقيام بذلك طوال السنوات الماضية.
إن الالتفات لتحرشات القوات الأميركية في الجنوب السوري لا يفيد بمعركة مكافحة الإرهاب، وعاجلاً أم آجلاً لن يكون أمام هذه القوات الغازية إلا الانسحاب عندما تجد أن وجودها لا قيمة له في الأجندة السياسية لمستقبل سورية.