الرقة فوق السيطرة

كيف لي أن أطيق أو يطيق أيّ سوري أن يسلّم بأن مدينة الرقة خارج سلطة الجمهورية العربية السورية؟! كيف نطيق أن يكون العلمُ في سمائها هو غير العلم الوطني؟ وكيف نطيق هذا التغيير الذي فرض على المناهج التعليمية والتربوية في ظل الإرهاب الذي يخيّم على شرفاتها الحالمة بالسلام والرحمة؟ هذا هو التغيير الذي بشرت به المعارضة الخارجية، كما بشر به صنّاع الربيع العربي والفوضى الخلاقة التي أرادتها أميركا، هذا التغيير الذي فرضه الإرهاب في الرقة يقدم صورة حيّة للنمط الاجتماعي والفكري والثقافي والحياتي البديل! .. نمط يمنع رفعَ العلم الوطني فيه ويشطب اسم الجمهورية العربية السورية من الكتب المدرسية كمقدمة لشطبه من الذاكرة والتاريخ والحضارة، أما المفردات التي تعني الوطنية أو القومية أو العروبة أو التقدميّة، فتلك لا مكان لها في قواميس الإرهاب، كما ليس لها مكان في قواميس أشباه الرجال الذين خدعوا الشعب وصوّروا أنفسهم بأنهم قاموا بثورة من أجل الديمقراطية والحرية، والنتيجة هي الصورة التي يشهدها أهلنا في الرقة والتي ما زال رواد المعارضة السورية في الخارج يزعمون بأن ما يحصل في سورية هو حراك ثوري شعبي، ولعلهم يعتبرون أن خروج مدينة الرقة عن سلطة الدولة هو من إنجازات ثورتهم المظفرة!.

لا أتصور أن المواطن السوري يستطيع أن يصبر على ما يحصل في مدينة الرقة، درّة الفرات الخالد، لا يقبل أن يُنشر هذا الظلام في ربوعها المضيئة ولا يقبل أن يعود بأهلها إلى الجهل، إذ كيف يُقبل أن يحذف من المنهاج التعليمي مقرر الفيزياء والكيمياء تحت أي ذريعة وبأية حجة، فأي إسلام هذا الذي يحرم تلاميذ الأمة من العلم الذي نصت على ضرورته الكتب السماوية وأمر به الأنبياء والمرسلون.

لا أدري لماذا أحس وكأنني في حلم طويل، وكابوس الإرهاب والظلام يغلق النوافذ في الأفق ويحكم إقفال الأبواب من كل صوب، ومدينة الرقة تطوقني بحنانها المعهود وتضعني على حافة نهرها وأنا أطالع ما تركه أديبها الكبير عبد السلام العجيلي من إبداع خالد، وأتخيل ماذا كان سيفعل لو كان حيّاً وهو يرى كيف يقهر الإرهابيون أهلنا الطيبين فيها، ثم يحضر كتابها ومفكروها ومبدعوها ومعلموها وأهلها، تحضر الرقة بما فيها وتصبح كالعمود الملتهب وأنا أقترب منه فلا أصل، والكابوس يبقى مستمرّاً ومدينة الرقة تبدأ بالنهوض والارتفاع مع عمودها الذي يضئ كالمصباح، وسرعان ما يتبدد الظلام بالنور الذي يستمد مدده من القلوب الوفية لأرضنا الطاهرة سورية التي لا يرضى أهلنا في الرقة غيرها اسماً ولا وطناً، وكما أننا لا نطيق أن تبقى الرقة تحت هذا الكابوس المرير، فالرقة لا تطيق أن تبقى اللؤلؤة البعيدة عن حبات العقد الذي يحفظ الأبجدية والتاريخ والعروبة والإسلام المجيد، لا تطيق أن ترى تلك الأشباح تعيث فيها فساداً وبطشاً وقهراً، ولأنها فوق سيطرتهم فهي التي ستكسر تلك الأسوار وستحطم تلك القيود، ورجالها الأبطال سيسطرون الملحمة التاريخية ويزفونها عروساً حرة لنهرها الخالد في ربوع وطننا السوري الحر.

بقلم: مفيد خنسه

انظر ايضاً

قائد شرطة إدلب: التحقيقات مستمرة لكشف ملابسات حادث وفاة مواطنين قرب مدينة بنش

إدلب-سانا أعلن قائد شرطة محافظة إدلب المقدم ماهر هلال أن التحقيقات مستمرة لكشف ملابسات حادث …