لم يكن إسكات صحيفة “زمان” التركية أول مآثر أردوغان ولن يكون آخرها بالتأكيد، فكثرة المآثر وتعدّدها جعلت من النادر أن يهتم أحد، في المنطقة والعالم، بتعداد المرّات التي ضُبِطَ بها “السلطان” عارياً حتى من ورقة التوت الديمقراطية التي تستّر بها خلال الأعوام الماضية، كما لم يعد أحد، سوى بعض المريدين القلائل، يتذكر، أو يأخذ على محمل الجد، نظرية “فيلسوفه الصغير” حول موقع تركيا ودورها في السياسة الإقليمية والعالمية بعد أن أطاحت بها العقلية الثأرية المأزومة لـ “أبي بلال” التركي، ولتياره السياسي الإلغائي الإقصائي.
بهذا المعنى ليست قضية “زمان” على فداحتها وفجاجتها سوى تعبير عن “زمان” الطاغية الذي يقف يومياً لينادي، أنا الدولة والدولة أنا، في ظل صمت مريب لفريقين معيّنين ومعنيين أيضاً، الأول فريق “الحريات” العربي الذي نادى بـ “أبي بلال التركي” راعياً وحامياً له ولـ “مجالسه” الاسطنبولية، وبعضهم نصّبه خليفة للمسلمين، والفريق الثاني حلفاؤه الغربيون الذين سيكتفون، كما العادة، بـ “قلق” بان كي مون، وربما بيان صحفي موجز للمتحدث باسم الخارجية الأمريكية، أو تقرير خجول لمنظمة حقوق ـ إنسانية في مكان ما، وكفى الله “الأحرار” شر القتال.
والحال فإن “أردوغان الكيماوي”، كما أطلقت عليه الأصوات في ساحة “تقسيم” في اسطنبول منذ عامين وحسب، هو المشكلة الأبرز التي تواجه تركيا اليوم، والسبب إرادته الواضحة في اختصار تركيا الكبيرة والعريقة، والمكوّنة من نسيج أوروبي آسيوي، غربي إسلامي، في شخصه، وشخصه فقط، وهذا يتطلب إلغاء الآخرين جميعهم، وهو ما يقوم به بكفاءة منقطعة النظير عبر الاغتيال الممنهج للمعارضين، والازدهار” الكبير في التضييق الرسمي على حرية التعبير، ليصبح “العنوان الأول الذي يتواجد فيه الصحفيون الأتراك بالدرجة الأولى هو قاعات المحاكم لا مراكز الأخبار”، كما قال بيان صحافي تركي مؤخراً، وعبر تحويل تركيا إلى بلد أحكام عرفية “يسعى حاكمه إلى إسكات كل صوت معارض” عبر اتهامه بالخيانة، فالرجل “لا يريد قضاء مستقلاً ولا قانوناً”، ومعه “ليس من إمكانية للاستقرار ولا للسلام” كما يردّد الأتراك.
بيد أن لذلك كله تفسيراً واحداً يتمثل بمعرفة الرجل في قرارة نفسه أن النهاية اقتربت، وبالطبع نعني هنا النهاية السياسية للشخص ولأحلام السلطنة التي راودته ذات ليلة صيفية حارة، وكان لـ “الربيع” وأموال “الوسواس الخناس” العربي أن زيّنا له إمكانية تحقيقها السريعة، فاستبدل الرجل مبدأ “السياسة الخارجية المتعدّدة البعد” بسياسة مذهبية مقيتة، ومبدأ “الدبلوماسية المتناغمة” بدبلوماسية هوجاء حوّلت بدورها مبدأ “صفر مشاكل” الشهير إلى صفر ثقة مع الجميع في الداخل والخارج. لكن للأتراك كلاماً آخر في معركة الحريات أمام الدكتاتورية المكشوفة التي يمارسها أردوغان، كما أسماها زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض كمال كيليتشدار أوغلو، وسيستمرون في قوله والتعبير عنه حتى ولو “اضطروا للكتابة على الحيطان”، كما قال رئيس تحرير صحيفة “زمان” المقال عبد الحميد بيليجي، وهي بصورة أو بأخرى معركة كل الأحرار في المنطقة والعالم أيضاً، كي يصبح “زمان” السلطان فائتاً، وإلا فإن الرجل الذي، ومنذ إسقاطه الطائرة الروسية في “لحظة تخل” قاتلة، يسقط من حسابات الكبار في لعبة السياسة الإقليمية والعالمية أيضاً، قد يحاول البقاء في الحلبة والهروب من مآزقه المتعدّدة إما عبر حرب أهلية في الداخل، وشروطها موجودة ويخلقها الرجل يومياً، أو إقليمية في الخارج، لا تندرج فقط في إطار الدور التركي التقليدي، كـ “دولة جناح” تنفّذ سياسات تستهدف تحقيق مصالح المعسكر الغربي في المنطقة، بل أيضاً في إطار رغبة “الوسواس الخناس” العربي فيها للخروج من مأزقه هو أيضاً، وتلك وصفة خراب كبرى للمنطقة والعالم أيضاً.
بقلم: أحمد حسن
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).
تابعوا صفحتنا على موقع (VK) للتواصل الاجتماعي على الرابط: