دمشق -سانا
استطاع الشاعر والأديب عبد الناصر حمد أن يتمكن من موهبته فأغناها بمختلف الثقافات فمكنته من كتابة ألوان الشعر لا انواعه معبرا بذلك عن إحساس الإنسان بشكل صادق اضافة الى كتابة اهم الاغاني لعدد من المطربين.
وفي حديث خاص لـ سانا قال حمد.. لقد كتبت الشعر الفصيح منذ كنت طفلا وانا في مرحلة الإعدادية فاعتبرني الآخرون شاعرا في الوقت الذي كنت ابعد عن نفسي هذه التسمية وعندما وصلت إلى المرحلة الثانوية وتجاوزتها كنت معلما في إحدى القرى حيث قرأت على زملائي قصيدة أشكو فيها الأحوال الاجتماعية والإنسانية آنذاك فشجعني اغلبهم ومنذ ذلك الحين بدأت تتوالى القصائد وتواكب أحلامي وآلامي وطموحاتي وما ينعكس في داخلي خلال ما يدور في المجتمع.
وأضاف حمد أن الشعر الفصيح هو عماد اللغة العربية والثقافة ولا نستطيع أن نتخلى عنه بأي شكل من الأشكال لأنه يمتلك القدرة على مواكبة كل التحولات والتطورات ويعبر عن مشاعر جميع الطبقات الاجتماعية والإنسانية وهو قادر على استيعاب الثقافات والرؤى والفلسفة.
أما الشعر الشعبي فلقد كتبته صدفة ولا أعتبره أدبا بل هو نوع من أنواع الفنون ولو أنه أدب لتمكن من مزاحمة الشعر الفصيح واخذ بعضا من مواقعه المتقدمة علما انني قرات أول قصيدة شعبية عمرها اكثر من 1000 سنة ثم اطلعت على الموليا والكان كان والدوبيت حتى وصلت الى ابن قزمان الاندلسي ثم الى ابي الحسن الششتري الذي قال من 700 سنة شعرا شعبيا ما زلنا نردده حتى يومنا قال فيه “شويخ من أرض مكناس وسط السواق يغني وش علي أنا من الناس وش على الناس مني”.
والشعر الشعبي برأي حمد له تراث عريق ويلامس إحساس الإنسان كما انه حافظ على الثقافة في سورية وبعض الدول العربية أيام الاستبداد العثماني لأنهم قاموا بسياسة التتريك فأغلقوا المدارس وضاعت العلوم والأدب والثقافة فبدأ الناس يكتبون تاريخهم وادبهم وثقافتهم بالشعر الشعبي ولو قمنا الآن بدراسة الشعر الشعبي في مرحلة الاستعمار العثماني لوجدنا تاريخا كاملا فيه.
وبرغم كل ما يمتلكه الشعر الشعبي فإنه لم يتمكن من مجاراة الشعر الفصيح فالقصيدة الفصيحة تتفوق على الشعبية بكثير وان كانت القصيدة الشعبية في بعض الأحيان تمتلك أدوات فنية لا تقل قيمة عن التي تمتلكها الفصيحة.
وأشار حمد إلى أن تجربته الشعبية الكثيفة حاول أن يسقطها ويعكسها بتجربته بكتابة الشعر الفصيح فمنحته كثيرا من التطور أما كتابته للشعر الشعبي فاستطاع من خلالها ان يعيش تجارب الآخرين وأن يعكس هذه التجارب في قصائد أدى نجاحها الى اختيارها كاغان بأصوات أهم الفنانين العرب.
وأضاف .. لقد غنى لي سعدون عشرين عام وبيتنا المهجور وكل سنة وانت حبيبي وفؤاد سالم وفتحي كحلول غنيا لي يما صباح العافية كما غنتها أيضا بعض الفرق الفلسطينية.
فالأغنية الشعبية بحسب حمد كانت مصدر ثقافة الناس وكانت مثل الأمثال الشعبية والموروث السوري مليء بها فالأغنية الفراتية على وجه التحديد يوجد لها أكثر من 80 نوعا مثل أبو الزلف والموليا والعتابا وعلى المايا واوف مشعل والميجنا وقد تتشابه هذه التسميات مع تسميات اخرى في المحافظات ولكن تختلف في المفردة وطريقة الاعداد.
وبين حمد أن القصيدة الشعبية هي عرضه للسرقة بسبب عدم توثيقها علما بان المرحلة التي وثقت بها هذه القصيدة في الخمسينيات والستينيات اختفى منها ما هو جميل منها وظهر بألحان الرحابنة.
وهناك أغنيات قدمت بافتتاح دورة سيدني للألعاب الأولمبية مثل عالمايا وقدمت على أنها لحن مصري وهي ألحان سورية وهناك أغان اخرى مثل ياغبوبة غبين يا غبين هي أغنية سورية من دير الزور أخذها ملحن أردني وصاغ على شاكلتها يالله تصبو هالقهوة وزيدوها هيل.
واضاف أن الشعر الفصيح يتجاوز كل ذلك وهو الثقافة كلها بشرط ان يجيد الشاعر كتابته لأن القصيدة المكتملة الجوانب تفرض نفسها ولولا ذلك لما بقيت في ذاكرتنا قصائد عنترة وجرير والمتنبي.
ورأى حمد أنه مخطئ من يتهم الفصيح بعدم القدرة على مواكبة العصر فكثير من الشعراء امتلكت قصائدهم تداعيات المجتمع وتحولاته وتطوراته السياسية مثل نزار قباني ومظفر النواب وآخرين وعندما نقول الفصيح اقصد بذلك لونيه الشطرين والتفعيلة موضحا أنه لا فرق بينهما إلا بالتزام الشطرين بالقافية وتحرر التفعيلة منها فالتفعيلة وان تحررت من القافية فهي تحتفظ بموسيقاها التي تكسر الرتابة احيانا كما يلاحظ ذلك عند نزار ومحمود درويش وبدر شاكر السياب ونازك الملائكة.
أما القصيدة العمودية فان كان الشاعر متماسكا فسيقدم فيضا من العطاء الفني كما فعل بدوي الجبل ومحمد مهدي الجواهري وابراهيم ناجي صاحب قصيدة الاطلال والهادي ادم صاحب قصيدة أغدا ألقاك.
وعن القصيدة النثرية قال حمد: في فترة من الفترات روج بعضهم لكل ما يسيء إلى القصيدة العربية وأنشئت مجلات من أجل ذلك.
وبرأي شاعرنا فإن بعض من يكتبون النثر يقومون بترجمة لشعراء اجانب مثل اراغون ومايكوفسكي وإدغار آلان بو وبعضهم ظن ان هذا النص ليس بحاجة الى موسيقا فبدا يستسهله ويقلده دون ان يلتزم بوزن وقافية وموسيقا.
وأضاف حمد.. سبب انتشار هذا النوع هو أن بعض الصحف او الدوريات لا تنشر الشعر إلا بهذه الطريقة وهذا الشعر بدا حاضرا أمام سواه لانه هو الذي يتلقى الدعم الاكثر دون ان يتمكن من المنافسة الفنية فعلى سبيل المثال قدمت قصيدة من شعر الشطرين لصحيفة عام 1986 فرفضها المسؤول الثقافي بشدة قائلا هذه ليست شعرا فأعدت ترتيبها على شكل نثر فقال “هذا شعر” ومن هذه القصيدة .. “تأهب فديت يراعك امضى من السيف في اللحظة الراعفة .. تأهب فكفك ان ما اردت ستجلو لك الغيمة الزائفة .. سكون اتقادك أعيا دمي ونار احتراقاتك الجارفة .. تأهب وطوع رؤوس المعاني وجندل خيالاتك الخائفة .. زمانك هذا زمان القلاع وكلمتك العبوة الناسفة”.
ولكن حمد يعتقد انه لا توجد ساحة ثقافية الآن ولا أثر لقصيدة ولا لقصة قصيرة أو لإبداع شعري فلقد دعي منذ أيام لأمسية فوجئ بالمشاركين فيها بانهم لا يجيدون القراءة وهناك من يقنعهم أنهم أفضل من يكتب على مستوى الساحة الثقافية السورية علما انه عندما كان عضوا في لجنة الشعر بمعجم الشعراء المعاصرين بالكويت كانت اهم القصائد هي التي تأتي من شعراء سوريين متمنيا ان يجد هؤلاء على الساحة الثقافية.
وتوقع حمد أن تكون هناك نهضة ثقافية فقد تعب الناس من قراءة كل ما هو رديء والناس بطبعهم يحبون قراءة ما هو جميل ومؤثر في حياتهم ولكنهم لا يجدون ذلك متوفرا في الصحف ولا الوسائل الإعلامية.
وعن اهتمامه باللغة قال حمد أنا أهتم باللغة لأنها كائن حي قابل للتطور ومجاراة الحياة ولا يمكن لقصيدة النثر أن تستوعبها لأنها ضعيفة فالنثر الجميل موجود عند العرب منذ القديم كما ورد على لسان اعرابي في قوله ” والله ما رأيت دمعة من عين بإثمد هبطت على ديباجة خد احسن من دمعة امطرتها عينها فأعشب لها قلبي”.
أما على الجانب التربوي والكتابة للأطفال فرأى أن ” هناك كتابا للأطفال قليلون لا يبلغون أصابع اليد الواحدة يكتبون أدب الاطفال ويجتهدون للإتيان بمميز أما البقية فما هي إلا تسمية يحبون تداولها برغم عدم قدرتهم على تقديم ما هو مطلوب” مؤكدا أن ” اهتمام الأدباء بالجانب التربوي قليل جدا حتى الشاعر الراحل سليمان العيسى فإن أدبه الساخر وعلاقته بصدقي اسماعيل ومجلة الكلب أهم من كتابته للأطفال”.
يذكر أن الشاعر والأديب عبد الناصر حمد عضو اتحاد الكتاب العرب بجمعية أدب الأطفال يعمل معدا للبرامج في الفضائية التربوية السورية وشغل منصب أمين المكتبة المركزية للشعر العربي في الكويت وسكرتير تحرير مجلتي بريق الدانا ومذهلة في الكويت ومدير تحرير مجلة براعم السامي للأطفال كما كرم في كل من ملتقى سعدي الشيرازي في طهران ومهرجان الخالدية للشعر النبطي والشعبي في الأردن من قبل الجالية السورية ومثل سورية في مهرجان القصة وأدب الأطفال في أذربيجان الغربية.
محمد الخضر -ميس العاني