لا يظنن أحد أنَّ الشارع العربي غابت عنه أصالة الهوية، والوعي والانتماء بسبب أزمته الراهنة. فما تزال هناك مشاعر وطنية وقومية رهيبة جياشة عند الناس في المغرب والمشرق العربيين، يعرف من خلالها الشيوخ والشباب والناشئة أنَّ سرَّ الداء والبلوى الراهنة يكمن في المشروع الصهيوني الناهض والآخذ في تمدّد وتوسّع مضطرد.
وعلى كافة القوى الوطنية والقومية و«مؤسسات العمل العربي المشترك» واجب الاستثمار في هذه المشاعر وعدم ترك الأجيال نهباً لاستراتيجيات فضائيات البترودولار. هذا الواجب مُتقاعس عنه الآن، وهو في مرحلة كمون مؤقت، وإننا على ثقة أنها لن تطول.
فما لم نرجع بالصراع إلى أسّه وجذوره لن تهدأ الأوضاع، ولن تنجلي أزمة الأفراد والمجتمعات والسلطات أيضاً، ولذلك تتضافر الجهود الكبرى الخبيثة لطمس أسباب الصراع، وحرفه عن محوره الأساسي أي الصراع العربي الصهيوني باتجاهين، الأول: صراع عربي إيراني، والثاني: ناتج عن الأول صراع عربي عربي، تطوّر إلى صراع داخلي محلي.
فها هي القضية الفلسطينية المركزية تغيب بالتدريج عن شاشات فضائيات التضليل الإعلامي، وبالكاد يستمع المواطن العربي إلى حوار يبيّن ما يجنيه المشروع الصهيوني من اضطراد الراحة والنمو والهدوء، باستثناء فعاليّة الإعلام المقاوم الذي يمرّ تلقيه في مرحلة كمون بسبب سياسات الهيمنة الصهيوأطلسية الرجعية العربية التي طالت الميديا أيضاً، مايجعل من نشر ثقافة المقاومة واجباً وطنيّاً وعربيّاً وإسلاميّاً.
إنَّ كلّ إحلال للتناقض العربي الإيراني محلّ الصراع العربي الصهيوني جريمة كبرى على التاريخ والحاضر والمستقبل. وإنّ كلّ من يسهم في هذا الإحلال عميل للمشروع الصهيوني في المنطقة ولذيوله الأمريكيّة والرجعيّة العربيّة والعثمانيّة، وهو في الوقت نفسه عدو لمحور المقاومة والدفاع عن الحقوق والمقدسات، سواء أكان هذا المسهم مثقفاً أم سياسياً أم رجل دين أم حاكماً. فعودة الوعي قريبة، والهوية الوطنية والقومية حتمية تاريخية، فلا يأس، وإنما الخذلان موجة عابرة.
فلن تطول قدرة البترودولار على شراء ذمم قطاعات واسعة من الإعلاميين والكتّاب والمحللين المرتزقة وحكام الدول الوظيفية، هؤلاء المأجورون ومرتزقة الفنادق والمطارات الذي طال رهان المشروع الصهيوغربي عليهم، وعندما يرى الشارع العربي طفو المشروع الصهيوني سنكون لا شك أمام انتفاضة مغايرة، وحين يرى هذا الشارع ماسيحل بالحرمين الشريفين وبالقدس و… لن تكون هناك استكانة، وسنعرف جميعاً معنى آخرَ أكبر وأكثر أهمية واتساعاً لمحور المقاومة الذي يتلقى الآن ضربات موجعة لكنها ليست قاتلة أبداً. بل دافعة لمزيد من العزم والحضور والوعي.
ولذلك تخطئ مملكة السّفه حين تظن أنها نجحت بدعم اقتتال مستدام محلي وعربي عربي، وعربي إيراني، وهمّشت أو سفّهت – على حد زعم مرتزقتها في الميديا والمنابر – محور المقاومة، وتخطئ أيضاً في أنها قادرة على دفع المنطقة إلى وضع جديد، إلى صياغة واقع عربي مستدام يسود فيه التحشيد العرقي والطائفي والمذهبي مكان التحشيد للنضال العربي في سبيل القضية المركزية فلسطين.
ومملكة السّفه ليست كيان ابن سعود وحدها، فبالأمس افتُتِحت ممثلية للكيان الصهيوني في الإمارات، وليس حكام قطر… وغيرها، وتصريحات أردوغان بالأمس عن “الضرورة الإسرائيلية” أقل خطراً وسفاهة.
فمملكة السفه هي التي تتناسى القضية الفلسطينية، وهي التي تتحفظ اليوم على كل تسوية واستقرار وأمن وأمان في اليمن وسورية والعراق ولبنان وليبيا، وهي التي تآخت مع الكيان الصهيوني تجاه التسوية الدولية للمشروع النووي الإيراني.
وهي نفسها التي صادرت بل شوّهت دور مؤسسات العمل العربي المشترك، فصارت الجامعة العربية مملكة سفه أخرى يغيب عنها الخطر الصهيوني، وبالأمس كان قول أمينها اللاعربي إزاء التدخل التركي السافر بالعراق: «ليس لدينا أي شيء نفعله ولا أي قدرة على إيقاف هذا التدخل، وكل مانستطيع أن نقوم به هو إصدار بيان إدانة».
بينما اليوم وفي الغد ستستجمع مملكة السفه قواها للتحشيد ضد إيران العدو الأخطر كما يعلن قادة العدو على «إسرائيل» .
فماذا سيفعل المستعربون في اجتماع الأحد؟ بالتأكيد سيؤيدون إعدام آل سعود 47 معارضاً، ويدينون إيران «التي أعدمتهم». ولن ننظر إلى فعل الإعدام من منظور محلي، ولا عربي، ولا إسلامي، ويكفي النظر إلى الرؤية الغربية، وإلى مانشرته الأندبندنت البريطانية: «إن الإعدام بهذا الشكل تصرّف سعودي مشابه لممارسات داعش، ومخالف في رأس السنة للاحتفالات المبهجة في دبي المجاورة، فكان استخدام مقاطع من القرآن الكريم فيه مؤكداً لأسلوب داعش، والإجراءات السعودية المتخذة هي نفسها كما لو كان المحكومون في قبضة داعش»، هذا التصعيد لا يخفي الجريمة والسفه.
فها هي الظروف تثبت أن كل تغييب للقضية المركزية ينجم عنه صراع عربي عربي أو عربي إسلامي، فقد نجم عن كامب ديفيد حربا الخليج الأولى والثانية.. وصولاً إلى يوم الناس هذا.
ولذلك على كل وطني وعروبي في هذا السياق استلهام ثوابت سورية ومبادئها، وعندها نعرف بعض أسباب هذا العداء الشخصي والحقد غير المعهود على قيادتها.
د. عبد اللطيف عمران
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).