لم تكن هناك حاجة كي تثبت بريطانيا وفرنسا وأميركا معهما أن الإرهاب المنتج بالدمغة الوهابية وما سبقها أو ما سيليها من طبعات – مستنسخة كانت أم أصلية- سيبقى موضع حماية مباشرة حتى لو سَكَبَت ما بقي في وجوه ساسة تلك الدول من ماء.. هذا إن وُجد بالأصل، وهم يقدمون فصولاً من المحاكاة المريرة للأدوار الاستعمارية، واستعباد العقل البشري إلى حدود الخلط بين الوَهْم والواقع، وصولاً إلى ابتذال صارخ لأبسط قواعد العمل السياسي وأصوله.
ولم يكن هناك من داعٍ كي يكون الاعتراض المزدوج على إدانة أعمال إرهابية موصوفة بوابة لفتح سجلات موغلة في دعم الإرهاب ورعايته إلى المستوى الذي بات فيه النقاش مجرد هرطقة في السياسة وجدل بيزنطي في التحليل، ومضيعة للوقت في الحديث عن مكافحة الإرهاب، حيث يفتقد إلى المبرر لدحض ما يدّعونه بحكم عبثية تفنيده وقد فنّده ساستها بالدليل القاطع وبالقرينة الدامغة.
لكن في الوقت ذاته.. لا يكفي القول بأن فرنسا وبريطانيا وأميركا تحمي الإرهاب وتدافع عنه، لتفسير ما جرى من اعتراض على بيان رئاسي لمجلس الأمن يدين الأعمال الإرهابية التي جرت مؤخراً في حمص، ولا يحلُّ الربط بين الموقف الفرنسي والبريطاني والأميركي، أحجية الثالوث القائم على دعم الإرهاب ولا يصلح لتفكيك عوامل المشكلة المزمنة في العلاقات الدولية، ولا يقدم ولا يؤخر في قراءة الخطاب الغربي وتماهيه مع الإرهاب.
فالمسألة أكبر من اختصارها في تفسير هنا أو استنتاج هناك، بدلالة ما تحمله من مؤشرات على نيات لم تعد حكراً على ما تضمره تلك الدول ولا على ما تقوم به جهاراً، ولا على ما تدفع به دول إقليمية وأدوات تابعة في المنطقة إلى حافة الهاوية، وهي تحاكي حماقة غير مسبوقة في تورّمها واستطالاتها الـمَرضية، بل في المقاربة الغربية للعقل الجمعي لما بات يسمى تجاوزاً: المجتمع الدولي، ومن خلال منصة مجلس الأمن والأمم المتحدة.
وهو في نهاية المطاف ليس سوى عيّنة من خطاب غربي، لم يكتفِ بالنفاق الصارخ بقدر ما يحاول أن يمضي أبعد في صياغة مشهد تقترب فيه المقاربات الغربية من فرض منهج تعبوي لا يكترث بالمخاطر المحدقة، ولا بالنتائج الكارثية التي آلت إليها سياساتها في محاباة الإرهاب وداعميه، وتأمين الرعاية السياسية المباشرة وغير المباشرة، ولا يعبأ بما ستؤول إليه، وإن مشاهد الصراخ مما جرى من أعمال إرهابية في فرنسا وغيرها ليست سوى ذر للرماد في العيون.
لن ندخل في جدل الحجج الغربية وهي أكثر كارثية من الرفض نفسه، حيث تبدو الذريعة مزدوجة الأبعاد والمعايير، وتحمل في طياتها حالة من الاستخفاف بالعقل البشري، وهي تخلط بين معايير السياسة وبين حدود الدجل الذي تمارسه بأقصى درجات الاستلاب والهيمنة تحت عناوين تبدو صادمة ومؤلمة وموجعة للبشرية جمعاء، حين تتحكم مجموعة من منافقين ودجالين بقرار المجتمع الدولي وما يفرضه من تبعات.
في القراءة المباشرة للفعل البريطاني والفرنسي والأميركي لا مجال للخطأ ولا للتأويل في فهم الدوافع التي تتبناها، حيث نهم الأطماع الاستعمارية المستيقظة لا يكتفي هنا بممارسة أساليب الاستغلال السياسي وعنجهية القوة واستعراضها، بل يضيف إليها التوظيف البشع للإرهاب بأقصى درجات وجوده لتحقيق أجندات سياسية متورّمة، وإن كانت الرسالة الواضحة بأن التصعيد الغربي الممنهج لا يقتصر على ممارسة الفعل بحدّ ذاته، بقدر ما يحاول إعادة مراجعة للأدوار بمختلف اتجاهاتها لتكون على مقاس تلك الأطماع، حيث الإرهاب عامل التعويل الفعلي الذي قد يحدد ملامح تلك الأحجية، فيما أدواته في المنطقة مجرّد دمى متحركة ترهن وجودها بوجود الإرهاب.
وفق هذه المحاكاة، يبدو أي حديث عن حلول سياسية لا مكان له في الأجندة الغربية، وأي جهد لتحديد ملامح الطريق إلى الحلّ السياسي يبدو في غير موقعه، حيث التسخين الغربي والتصعيد لم يبدأ من رفض إدانة إرهاب موصوف وجريمة إرهابية أكثر بشاعة، بل ينطلق من توازي الخطوات الغربية وتوقيتها، إذ كان من الصعب على أحد أن يتخيل أن إدانة الإرهاب يمكن أن تشكل عقبة في وجه بيان رئاسي لمجلس الأمن لا يقدم ولا يؤخر.
لكنه في حسابات الإرهابيين وداعميهم يشكل نقطة انعطاف مهمة، ومحطة مفصلية في طريق الخلاص من هواجس تخلّي الغرب عن حمايتهم، ورسالة في الاتجاه الخاطئ بالغة الخطورة لجهة التفسير والدلالة، وربما في التوقيت، حيث ثالوث الرعاة لا يزال في نسخته المنقحة هو ذاته ما قبلها لم يتعدّل ولم يتغيّر، وما يصدره من مواقف ليست سوى للاستهلاك الإعلامي، فالرهان على الإرهاب متفق عليه، والتعويل عليه قائم على قدم وساق للاستمرار في إدارة الخراب والدمار في المنطقة وقد ينسحب في مرحلة لاحقة -وربما الآن- على ما هو خارجها.
بقلم: علي قاسم
تابعوا آخر الأخبار السياسية والميدانيـة عبر تطبيق تيلغرام على الهواتف الذكية عبر الرابط :
https://telegram.me/SyrianArabNewsAgency
تابعونا عبر تطبيق واتس أب :
عبر إرسال كلمة اشتراك على الرقم / 0940777186/ بعد تخزينه باسم سانا أو (SANA).