إنما النصر صبر ساعة-صحيفة البعث

يحق لواشنطن وحلفائها أن يقلقوا، بل ويكشفوا عن تحالفاتهم الحقيقية في الداخل السوري، بعد أن بات مشروعهم الذي عملوا عليه خلال ما يقارب 5 سنوات، وأنفق عليه المليارات من أموال الخليج، يلفظ أنفاسه الأخيرة.. وهذه حقيقة أكدتها التطورات المتسارعة في الميدان، وبأنه لن يطول الوقت حتى تسلك قوافل المرتزقة نفس الطريق الذي تسللت منه إلى أرض سورية لمتابعة مشروعها في الدول التي صدّرتهم ودرّبتهم وقدّمت لهم كل أشكال الدعم.
ذلك جعل أردوغان يصيح ولا يستريح، وبات في حيرة من أمره، مرة يريد التنسيق مع روسيا لمواجهة إرهابيي “داعش”، الجناح “الثوري” لحزب العدالة والتنمية، بالطبع هذا قبل أن يسلكوا طريق العودة إلى اسطنبول وأنقرة، ومرة يهدد ويرعد ويزبد بأنه سيستهدف أي مقاتلة تخرق الأجواء التركية، فيما هولاند قلق ويريد من موسكو أن تحدد أهدافها بدقة في ضرباتها لأوكار داعش، تزامناً مع رفض واشنطن أي تبادل للمعلومات مع موسكو، رغم أن الدولتين تكافحان الإرهاب ذاته، كما تدّعي واشنطن، ولكن تبيّن أنهما يحاربانه بأسلوبين مختلفين، فروسيا من خلال تحالفها مع سورية تريد اجتثاث الإرهاب قبل أن يتمدد، في حين أن أمريكا تريد الاستثمار في الحرب عليه حتى تدمّر سورية والعراق وتنضب آخر قطرة نفط في الخليج.
أسبوع واحد من بدء الغارات الجوية الروسية، بالتعاون مع القوى الجوية السورية، كان كافياً لتوضيح المشهد، ويثبت للعالم بما لا يدع مجالاً للشك جملة حقائق، أولها: أن الجيش العربي السوري، المحارب الأول للإرهاب، هو القادر على هزيمته بسرعة عندما يعزز بمساعدات من الأصدقاء، وهذا ما أكدت عليه روسيا بأن عملياتها في سورية هي دعم لجيشها وليست حرباً بالنيابة عنه، والثانية: أن التنظيمات التكفيرية بمختلف مسمياتها هي من صنع الغرب وأداتها في المنطقة، وإنها ليست بمستوى الخطورة الذي صوّرته “البروباغاندا” الغربية والناطقة بالعربية، وبالنتيجة أكدت أن عالم الغد سيكون ليس كما تشتهي الإدارة الأمريكية.. عالم فيه للدول الصاعدة دور محوري ورئيسي في رسم الخريطة الجيوسياسية للعالم الجديد متعدد الأقطاب، في حين من ارتضى أن يكون أداة رخيصة لأمريكا والكيان الصهيوني سيكون أول الخارجين من المشهد السياسي.
وعليه فإن أردوغان وحزبه سيكونان أول ضحايا مغامرة واشنطن في المنطقة، فهم اليوم بين خيارين أحلاهما مرّ، إما النزول عن شجرة الأحلام العالية التي وضعوا أنفسهم فوقها منذ إعلانهم الحرب على سورية، وإما الاستمرار في سياستهم الحمقاء بالسماح ببقاء تركيا مقرّاً وممرّاً للتكفيريين، وبالتالي يزجون بلادهم في حرب طويلة مع الإرهابيين العائدين، ويضيفون أزمة جديدة إلى أزماتهم الداخلية، من جراء هزيمتهم في الانتخابات الأخيرة.
أما نظام آل سعود سيغوص أكثر في الوحل اليمني بسبب الحرب العبثية التي ورّطته بها أمريكا، وتدلل إرهاصاتها الأولية أنها ستدق إسفيناً آخر في نعش نظامهم المتهالك، والذي بيّن للعرب جميعاً أنه عدوهم الأول، فهو من جلب لهم كل ما يعانونه من ويلات من جراء انقيادهم الأعمى لأمريكا وبني صهيون. في حين ستبدأ أمريكا ومن خلفها فرنسا وبريطانيا باستدارة كبرى والبحث عن مخرجات تحفظ ماء الوجه.
في النهاية سينقلب السحر على الساحر، بلا شك في القريب العاجل، وسورية التي استطاعت الصمود، شعباً وجيشاً وقيادة، في مواجهة العاصفة بدأت تحصد نتاج ما قدّمته من تضحيات جسام، واليوم تتسارع وتيرة الإنجازات، والأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت، للأصدقاء قبل الأعداء، خاصة بعد إعلان رئاسة أركان الجيش العربي السوري عملية برية واسعة في ريف حماة، والتي ستمتد لتشمل كل الأراضي السورية لاستعادة السيطرة على كامل تراب الوطن بعد تطهيره من رجس الإرهاب والتكفيريين.. وإنما النصر صبر ساعة.
عماد سالم

انظر ايضاً

عصر التحولات الكبرى الجديدة بقلم: بسام هاشم

.. للمفارقة، فقد توجت “نهاية التاريخ” بتدمير نظام القطبية الأحادية نفسه، ليدخل عالم اليوم مرحلة …