دمشق-سانا
توثق دراسة البنية الانشائية و العمرانية و المواد المستخدمة في بناء القلاع و الحصون وتحصينها تقدم العلم العسكري الدفاعي السوري وبشكل خاص خلال العصر الإسلامي و لكل قلعة أو حصن خصائص مميزة تفرضها طبيعة الموقع الذي شيدت عليه القلعة و الوسط المحيط بها ومواد البناء المتوفرة و دور القلعة و أهميتها في التصدي لغزوات الأعداء وتمثل قلعة شيزر في محافظة حماة نموذجاً لفن العمارة العسكرية على الطراز العربي وهي تعود لعدة أزمنة من البناء بدءا من الفترة السلوقية و حتى نهاية العهد العثماني وتمتاز بإتقان تحصينها و خندقها وأسوارها وأبراجها وناعورتها وهي الوحيدة الموجودة خارج مدينة حماة.
ويقول المؤرخ الدكتور محمود السيد قارئ النقوش الكتابية القديمة في المديرية العامة للآثار و المتاحف أن قلعة شيزر بنيت شمال غرب مدينة حماة فوق أكمة صخرية ذات نتوء تشرف على وادي العاصي وسهل العشارنة وتتصل من الجنوب بهضبة محردة و تمتد على مساحة تزيد على 22 الف متر مربع و ترتفع أكثر من 50 مترا عما يجاورها من الأرض و تحاذي نهر العاصي من الغرب ويسايرها نهر العاصي من الشرق والشمال ليشكل خندقًا منيعًا و يلتف حولها من جهاتها الثلاث ليزيدها منعة و حصانة وقد زودت القلعة أيضا بخندق صناعي عميق في جهتها الغربية يفصل الجرف الصخري عن الهضبة ويجعل القلعة حصنا منيعا يصعب تجاوزه وموقع القلعة الجغرافي الاستراتيجي مكنها من الهيمنة على وادي العاصي والسيطرة على الطريق الجبلي المختصر الذي يربط الداخل بالساحل و يربط مدينة حماه بمدينة اللاذقية.
و أوضح السيد أن شيزر تتألف من قسمين حصن يقع على الرابية و مدينة في الغرب تنخفض عن الحصن بشكل شبه منحرف يلامسها شمالا نهر العاصي. وتقدر مساحة مدينة شيزر ب 25 هكتارا يحدها من الشرق القلعة و من الشمال نهر العاصي و من الغرب و الجنوب سور مبني من لبن الطين انهار مشكلا شبه رابية مستطيلة تحيط بالمدينة.
وذكر المؤرخ السوري أن النقوش الكتابية الهيروغليفية المصرية توثق ورود اسم مدينة شيزر في سجلات السلالة الثانية عشر المصرية في عهد فرعون مصر أمنحوتب الثاني وسجلات السلالة الثامنة عشر المصرية في عهد فرعون مصر تحوتمس في القرن الخامس عشر قبل الميلاد باسم شنزار كما دونت بالرموز المسمارية المقطعية الأكادية بالخط المسماري البابلي الوسيط في رقم تل العمارنة باسم زنزار وسماها الإغريق سدزارا و في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد بنى السلوقيون قلعة شيزر لتكون حصنا منيعا يحمي الدولة السلوقية من أية اعتداءات خارجية ويعود تاريخ إنشاء الخط الدفاعي الغربي للقلعة إلى الفترة السلوقية نهاية القرن الرابع قبل الميلاد و جددت أبنية ومرافق مدينة شيزر في عهد الامبراطور السلوقي سلوقس نيكتور عام 298 قبل الميلاد و سميت /لاريّسا / ثم احتلها الرومان وكانت جزءا من الامبراطورية التدمرية ثم احتلها القيصر الروماني أورليانوس عام 271 ميلادية بعد هزيمة التدمريين في معركة جرت حول أنطاكية. ثم احتلها البيزنطيين و أصبحت دارا أسقفية و سميت سيزر وقد فتحها العرب عام 638 م بقيادة أبو عبيدة بن الجراح و سميت بالعربية شيزر و هو اسم مشتق من الشزر و يعني نظرٌ فيه إعراض، أو نظر الغضبان بمؤخرة العين، أو النظر عن يمين وشمال، والشزر تعني الشدة والصعوبة، و كلمة تشزَّر تعني غضب، وتهيأ للقتال. ثم استوطنتها طائفة من الموارنة في أواخر القرن السابع الميلادي و في القرن التاسع الميلادي سكنها قوم من بني كندة و في نهاية القرن غزاها القرامطة و في عام 966 م غزاها القيصر نيقوفوروس قوقاس و سميت قيصرية وفي بعض المصادر قيصرية العاصي واعتصم فيها سيف الدولة و مات فيها و في عام 967 م احتلها القيصر نيقوفوروس قوقاس و أحرق جامعها ثم عقد صلح مع قرعوية متولي حلب من قبل الحمدانيين تم بموجبه دفع جزية سنوية ثم أقيمت فيها حامية رومية وتمكن جيش ابن الصمصامة الفاطمي من استردادها من أيدي البيزنطيين عام 997 م لكن القيصر باسيلوس تمكن من احتلال المدينة والقلعة عام 998 م بعد تخريب القناطر التي كانت تأتي بالماء إلى القلعة و سكنت القلعة جالية من الأرمن و بقيت المدينة و القلعة تحت سيطرة البيزنطيين حتى عام 1081 م وفيه انتقلت السيطرة على شيزر إلى علي ابن منقذ الذي منح أسقف البارة مبلغا من المال مقابل تسليم القلعة و المدينة وخاض علي ابن منقذ صراعا مع مؤيد الدولة علي أخو شرف الدولة مسلم ابن قريش العقيلي صاحب حلب للسيطرة على شيزر و تمكن علي ابن منقذ من إخراج مؤيد الدولة من شيزر عام 1082م وشرع في إعادة إعمار شيزر و قلعتها وجعلها إمارة لبني المنقذ في وسط سورية و بعد وفاته خلفه ابنه عز الدولة ابو المرهف والذي أعلن عام 1086 م ولائه للسلطان السلجوقي ملك شاه سلطان حلب و بعد وفاة عز الدولة ابو المرهف خلفه أخوه مجد الدين أبي سلامة و والد أسامة ابن منقذ والذي تنازل عن الحكم لأخيه عز الدين أبي العساكر الذي خاض معارك عديدة مع صاحب دمشق و أعراب بني كلاب في حلب الطامعين في السيطرة على شيزر.
و في عام 1109 م استولى الاسماعيليون على حصن شيزر و في عام 1110 م هاجم كونت طرابلس الصليبي برتراند شيزر وفي عام 1120 م اضطر بني منقذ لمصالحة الصليبيين وفي عام 1138 م حاول الامبراطور كومنينوس الاستيلاء على شيزر و رشقها بالمنجنيق عشرة أيام متتالية من جبل جريجيس المطل على القلعة من الشرق ولكنه فشل في السيطرة عليها بفضل مناعة وقوة حصونها و دعم عماد الدين زنكي لأمراء شيزر و في عام 1154 م تولى تاج الدولة ناصر الدين محمد أخر أمراء بني منقذ حكم شيزر بعد وفاة أبيه عز الدين أبي العساكر و في عهده ضرب زلزال مدمر شيزر عام 1157 م أفنى سلالة بني المنقذ ولم ينجو إلا الأمير أسامة بن منقذ الذي كان حينها متواجداً في دمشق ثم استولى عليها الاسماعيليون ومن بعدهم نور الدين الزنكي الذي أعاد إعمار القلعة و المساكن و المرافق المدمرة وولى عليها مجد الدين بن الداية، وهدمت القلعة مرة أخرى بزلزال عام 1170 م وفي عام 1232 م استولى عليها الملك العزيز محمد بن غازي ملك حلب. و في عام 1260 م دمر التتار شيزر ثم أعاد اصلاح وترميم ما تم تدميره السلطان المملوكي الظاهر بيبرس البيرقداري سنة 1261 م.
ودخلت تحت سلطة المماليك وفي عهد السلطان قلاوون أقطعت القلعة للأمير سنقر الأشقر لمدة عام واحد عام 1280 م و لقد تعرضت شيزر لغزوات صليبية متتالية انتهت عام 1283م بعقد هدنة مدتها عشر سنوات بين الملك المنصور قلاوون الصالحي وبين أودوبو الشيان نائب مملكة عكا الصليبية وفي عام 1347 م وقعت فتنة في شيزر بين العرب و الأكراد وضع نهاية لها أمير حلب ناصر الدين بن المحسني و في عام 1352 م هاجم شيزر نعير بن جبار أحد أمراء البادية وقام بنهبها وقتل و سبي أهلها وفي عهد الاحتلال العثماني أصبحت شيزر مركز قضاء لمنطقة واسعة تمتد بين تلدو-حمص جنوبا و حتى نهاية و ادي الغاب شمالا و بين قريتي أبي قبيس غربا و أرجزة شرقا و في أواسط العهد العثماني تدنى مركز شيزر و تحولت إلى مركز ناحية وتولى شؤون الادارة فيها حاكم للحصن يسمى دزدارا ثم وضعت فيها حامية من الجند مؤلفة من ثلاثين جنديا تولت تحصيل الرسوم و الضرائب العامة بالدولة ثم أهملت القلعة وتلاشت أهميتها العسكرية وفي النصف الأول من القرن العشرين تم إخلاء السكان من القلعة. و منذ عام 2003 بدأت عملية ترميم القلعة وتدعيم الأسوار والجدران بعد تصدعها وتأثرها إنشائياً نتيجة الأمطار الغزيرة واستمرت حتى عام 2010 و تم اكتشاف جدار ضخم و دعامتين يرجع تاريخ إنشاؤه على الأرجح إلى العهد الزنكي بين العامين 1146-1174
ويسود الخراب في الوقت الحاضر معظم أجزائها ولكن مخططها العام ما زال واضح المعالم ، و لا يزال مدخلها في حالة جيدة، ويتبين من الكتابات الموجودة على ما تبقى منها أن مدخلها وبرجيها قد بناها نور الدين محمود الزنكي وأن القسم الشمالي الغربي يعود بناؤه إلى أيام الظاهر بيبرس، وأن بعض الترميمات قد أجراها صاحب حلب الملك العزيز عام 1233 م وأن قلاوون هو الذي قام بترميم قوس مدخلها عام 1290 م.
يوصل إلى القلعة من مدينة حماة عبر بلدة شيزر بطريق معبد يقود حتى مدخل الدرج المؤدي إلى القلعة وتمتد قلعة شيزر على الجرف الصخري بشكل متطاول 450م×50م ويحيط بها سور شاهق لحماية جوانبها وللقلعة شكلٌ معماريٌ فريد يختلف عن أشكال معظم القلاع السورية نتيجة لنتوء الأكمة التي تتربع فوقها وتمتاز بالارتفاع العالي لأسوارها حيث يعطي الانحدار الشديد للجرف الصخري ارتفاعا شاهقا للأسوار من الجهة الغربية و التي تصل إلى 50 متراً وقد بنيت أسوار القلعة من الحجر الكلسي مستندة إلى القاعدة الصخرية. فقدت القلعة الآن بعضاً من سورها وأبراجها التي تبلغ أربعة عشر برجاً توزعت في كل من جانبيها الشرقي والغربي سبعة أبراج ولا يزال 4 أبراج منها فقط قائماً حتى الآن وقد رصفت الأكمة التي تقوم عليها القلعة بحجارة كبيرة.
ولفت خبير الآثار السوري أن القلعة تحتوي على طابقين من الحجر علي مساحة 45-50 متر ويدخل إلى القلعة من باب ذو عتبة مستقيمة يعلوها قوس منكسر فوقه كتابة عربية يقع في الجهة الشمالية بعد اجتياز جسرا حجريا طويلا ، كان في الماضي خشبيا يرتكز على طابقين من القناطر فوق الخندق و أقيم فوق واد ضيق و عميق رمم عام 1956 م وهو ذا قنطرة كبيرة من فوقها، وهيكل عُلوي لهذا المدخل، يتألف من ثلاثة طوابق ، تشكَّل بمجموعها برجاً ضخما هرمي الشكل مهمته حماية المدخل بني من حجارة كلسية كبيرة الحجم ومدببة، ومدعمة بأعمدة أسطوانية كروابط تشُّد البناء فتعارض أعمدة الروابط في الجدر تزيد انضمام الأحجار الخارجية بالداخلية و تكسبها قوة و متانة، وحول الباب توجد كتلة هرمية مبنية بشكل مائل بحجارة كلسية كبيرة تستند من الأسفل إلى قواعد الجرف الصخري وتحمل الجدران من الأعلى وأحجار البناء ذات سطوح بارزة لزيادة مناعة البناء،
ويتم الصعود لأعلى البرج من المدخل، من باب متجه للجنوب يلي المدخل مباشرة يمر أولا بغرفة الحرس و من ثم يستلم درجا مؤلفا من خمس عشرة درجة ينتهي إلى غرفة للدفاع في الطابق العلوي و فراغ هذه الغرفة بشكل زاوية قائمة ضلعها القائم من فوق المدخل الخارجي للقلعة يتصل به فجوة كانت لباب متحرك يتدلى منها لدعم الباب الأول كما تستعمل في الوقت عينه لصب السوائل الحارقة على المهاجمين و تشكل قاعدة هذا الفراغ بروزا عن السفح الشمالي و دعمت وجهاتها بشرفات دفاعية أما الطابق الثالث فقد تهدم و لم يبق منه الا بقايا جدر فيها نافذة مربعة و كوة صغيرة لرمي السهام. ونجد كتابة عربية بخط ثلثي كبير جدا على طول واجهة البرج دونت على سطرين نصها “مما عمر في أيام مولانا السلطان الأعظم مالك رقاب الامم سيد ملوك العرب و العجم سلطان الاسلام و المسلمين قاتل الخوارج و المتمردين كهف الضعفاء و المساكين فاتح القلاع و الامصار الملك المنصور سيف الدنيا و الدين “قلاوون الصالحي” أعز الله أنصاره.
عمل الاستاذ المولى العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى “ايبك الجندار المنصوري في مستهل رجب سنة تسع و ثمانين و ستمائة” ، كما تتصدر الواجهة كتابة عربية نافرة من سطرين بالخط النسخي تذكر اسم باني القلعة (قلاوون الصالحي) وتاريخ بناء المدخل 689 هـ 1290 م ونصها: «مما عُمِّر في أيام مولانا السلطان الأعظم ملك رقاب الأمم، سيد ملوك العرب والعجم، سلطان الإسلام والمسلمين، قاتل الخوارج والمتمردين، فاتح القلاع والأمصار، الملك المنصور سيف الدنيا والدين قلاوون الصالحي – أعز الله أنصاره».
وفي مكان آخر لوحة نقش فيها «عمل الأستاذ المولى العبد الفقير إلى رحمة الله تعالى إيبك الجندار المنصوري في مستهل رجب سنة تسع وثمانين وستمائة.
برج مدخل القلعة و الباشورة من آثار نور الدين زنكي و ان كان الملك المنصور قلاوون الصالحي قد استكتب اسمه فوق المدخل ولكن في الحقيقة لم يكن له فضل سوى في ترميم بعض الأجزاء.
و نقش على العضادة اليمنى لمدخل القلعة لوحتان كتابيتان بالعربية بالخط النسخي نصهما ” رسم بالأمر الشريف العالي المولوي السلطان المخدومي الأشرفي السيفي برسباي خلد الله ملكه- بابطال الحيف و المظلمة المحدثة الذي كان. قائد شيزر يتناولها و كان الساعي بإبطالها المقر السيفي اينال شاه الظاهري قائد. شيزر عز نصره و ختم له بخير و ملعون من يجددها”.
و توجد قلعة هرمية يمين برج المدخل مبنية من أحجار كلسية كبيرة منحوتة تداعت أجزاء من أعلاها بنيت على صخر مقطوع بشكل عمودي من أدنى السفح و تطل من أعلاها شرفتان دفاعيتان على مقدمة المدخل.
و يوجد يمين المدخل في جوف الباشورة ساباطا معقود يمتد على طول سبعين مترا و هو يؤدي إلى داخل القلعة و يوجد في جدر خلفية للباشورة من الشرق بعض الحلاقيم الفخارية وهي تتصل بين السطح و الأرض و تؤدي إلى صهاريج مائية و نقشت على احدى الحجارة المستخدمة في البناء ثلاثة أسطر باليونانية أما سطح الساباط فقد شغل بأبنية ذات صبغة عسكرية لا زالت تحتوي على شرفات للدفاع تطل على السطح الغربي. و يلاحظ في نهاية الطريق الواقع خلف الباشورة بقايا بناء على الأرجح حمام بدليل وجود بقايا المقاصير و حلاقيم الماء الفخارية بينها. و يؤدي هذا الطريق إلى عنابر خزن الغلال و المؤن و إلى مراكز دفاعية في الجانب الشرقي.
وهناك البرج الغربي الذي يطل على نهر العاصي من الغرب ويرتفع بعلو طابقين حيث توجد مرامي السهام في الطابق الثاني وقد تهدم منه الجزء الداخلي. وقد استخدم لبنائه الحجر الكلسي الكبير الحجم لبناء المداميك والأعمدة للربط الأفقي في الجدران لإكسابها المتانة والقوة. يصل ارتفاعه إلى حوالي 50 متراً و قد رمم مع جدران القلعة باستخدام معدن الستانلس كونه يمتاز بصلابته ومقاومته للصدأ، وتمّ الاعتماد عليه في ربط حجارة جدران القلعة عبر إجراء ثقوب في الجدران وصلت أعماقها إلى 3 أمتار و لتدعيم جدران القلعة زرعت قضبان الستانلس ستيل بين الصخور، و تم تكحيل الحجارة، وزرع أنابيب بلاستيكية حقنت من خلالها الجدران بالكلس بهدف إغلاق الفراغات والشقوق الداخلية العميقة بين الحجارة والتي كانت تهدد جدران القلعة بالانهيار.
وهناك طريق ممتدة وسط القلعة تنتهي أمام البرج الكبير من الجنوب و يسمى قصر البردويل أو قصر غيبور وهو البرج الجنوبي الذي بني فوق الخندق الصناعي و هو أفضل الأبراج حفاظا على هيئته ووضعه السابقين و هو برج متقدم للدفاع في أضعف نقطة من فوق الخندق الذي يكفل مع الجسر الخشبي المتحرك والخندق فوق الوادي الضيق العميق دفاعاً آمناً من الجنوب ولهذا البرج قسمان متميزان ينخفض الأول من الغرب حوالي مترين عن سوية أرض القسم الثاني، و يشرف هذا القسم للجانب الغربي من القلعة على موقع فسيح لا زال يعرف بالميدان و كان يتألف من طابقين، تهدم منهما الطابق العُلوي، والمدخل باتجاه الشمال تعلوه كتابتان نسخيتان بالعربية تذكران أن بأني البرج هو نور الدين محمود الزنكي وهما تؤرخان للبناء بعد حادث الزلزال الكبير سنة 1157 م ونقرأ فيهما “بسم الله الرحمن الرحيم نور الدين بن عماد الدين زنكي سنة … و خمسين و خمسمائة” و هو يختلف في بناءه الذي بني من حجر متوسط الحجم و غير مشذب وخالي من اعمدة الروابط عن بناء القسم الثاني وسقوفه المعقودة مطابقة لسقف الباشورة ويستند جانبا من وجهة القسم الثاني الغربية قليلا على جداره.
أما القسم الثاني فيمثل الركن الشرقي من البرج المنتصب فوق انهر العاصي و المسيطر على الخندق الجنوبي المقتطع من الصخر و هو أمتن الأبراج الدفاعية و أكمل قواعد الهندسة العربية في المباني العسكرية فقد استعمل في بنائه الحجر المدبب و المرتبط بمزيد من الأعمدة المتنوعة من بازلتية و كلسية و تبرز معا برؤوسها وفقا للطراز العربي المألوف في بناء الحصون و القلاع في العهد الأيوبي ويتألف هذا القسم من طابقين أول يرتفع عن سوية الأرض يقع مدخله العام في زاوية بارزة في وجهته الشمالية باتجاه الغرب كان يصعد اليه ببضع درجات قد تهدمت و يشرف على المدخل من أعلاه كوى دفاعية لمقاومة المهاجمين يلي المدخل فناء متسع جدا أبعاده 11,35 X8,5 م ذي خمس كوات دفاعية في واجهته الشرقية اثنتان و في الجنوبية ثلاثة و بالزاوية الشمالية من هذا الفناء يوجد باب يؤدي لباب آخر و إلى مخدع صغير يبرز في الواجهة الشرقية نحو متر و على الغالب أنه كان كنيفا و يستعمل أيضا لصب السوائل المحرقة عند اللزوم أما سقفه فذو تجاويف و مقرنصات من الطراز الأيوبي ومعقود و قائم على دعائم مستطيلة وسطية و على الجدران و من هذا الفناء من قسم المدخل البارز في الواجهة الشمالية يصعد للطابق الثاني من خمس عشرة درجة إلى فناء علوي آخر مستطيل بقياس الفناء السابق و في كل من وجهتيه الشرقية و الجنوبية كوتان مختلفتان بالشكل و سقفه المعقود المصلب يقوم على دعامتين وسطيتين فضلا عن الجدر و في زاويته الشرقية الشمالية باب يؤدي إلى مخدع. وفي الناحية الغربية باب يصل بين هذا الفناء و فناء مربع ثالث مساحته نحو 128 متر مربع في وجهته الجنوبية ثلاث كوات دفاعية من طراز مغاير للشرفات السابقة و هي تطل على خندق القلعة الجنوبي و قد تهدم جزء من هذا القسم في وجهته الغربية التي ما زالت تحتفظ بنافذة كبيرة تطل على المدينة من الغرب ذات زخارف و نقوش عربية و في الواجهة الشمالية منه درج يؤدي للسطح ذو خمس عشرة درجة اقيمت على محيط السطح شرفات دفاعية تهدم معظمها و لم يبق منها إلا ثلاثة من الغرب و ثلاثة في الجنوب.
يلاحظ على طول الواجهة الشمالية كتابة عربية نافرة دونت بخط نسخي و أحرف كبيرة تتألف من ثمانية أسطر شوه السطر الأخير منها نصها “هذا ما أمر بعمارته مولانا السلطان الملك العزيز … السيد الاجل الكبير العالم العادل المجاهد المثاغر المؤيد المظفر المنصور غياث الدنيا و الدين سلطان الاسلام و المسلمين مقدم الملوك و السلاطين قاتل الكفرة و المشركين … أبو المظفر محمد بن الملك الظاهر غازي بن الملك الناصر يوسف بن أيوب ناصر أمير المؤمنين خلد ملكه و أدام نصر ألويته و أعلامه و ذلك في حادي و عشرين ذو القعدة سنة ثلاثين و ستمائة بتولي العبد الفقير إلى رحمة الله أبو بكر بن عثمان بن ردل بن عمر رحمه الله صنعه الاستاذ علي رحمه الله … …”
للقلعة سرداب خفي يوصل ساكن القلعة إلى ضفة نهر العاصي من دون أن يراه أحد و ينحدر السرداب من القلعة إلى النهر مباشرة بتعاريج و تلافيف هندسية على شكل خط منكسر يقدر طوله بحوالي 75 م و بناؤه من الحجر مغطى معقود السقف و يوجد مذبح بازلتي دائري الشكل قطره 85 سم و مرتفع يستدير بأعلاها اكليل جبلي نافر يضم رأسي عجل يعتقد أنه يعود لمعبد وثني عبد فيه العجل و خصص لعبادة الاله اكليكو اجيلبولوس اأو عجلبعل و يوجد مذبح آخر داخل القلعة يحمل كتابة يونانية مؤرخة بسنة 298 ق.م و حجر بازلتي عليه كتابة يونانية و عددا من المباني تؤرخ بأواخر العصر العثماني حينها كانت القلعة مأهولة. وتضم القلعة أيضا ناعورة مياه شهيرة هي ناعورة شيزر التي خربت بفعل الزمن، وكانت الناعورة الوحيد الموجودة خارج مدينة حماة من مجموع النواعير البالغ عددها مائة.
يذكر أن مدينة شيزر تضم أثار أخرى هامة منها قناة رومانية تمر بسفح القلعة من الغرب محفورة بجوف الصخر بشكل فني و دقيق يتراوح عرضها بين 40-50 سم و عمقها نحو متر و هي تمتد بين شلقة جلمدون و الشلال قرب مصياف و بين شيزر و الجسر القديم القائم على العاصي بقواعده المؤرخة بالعصر الروماني بالقرن الأول الميلادي والمميز بقناطره المبنية بالعهد الأيوبي.
و قد تهدم فجدد زمن الملك الاشرف كما أشار حجر مكتوب فيه و قد زال هذا الحجر بفيضان العاصي مع طاحونة مائية في الجانب الغربي منه و أدى الفيضان عام 1941 إلى تهدم القسم الأوسط منه ثم أعيد بناؤه فيما بعد. وهناك الطاحونة بجانب الجسر، والحمّام الأيوبي الذي يضم حجرات عديدة وتمديدات للمياه.
و سد الخرطلة الذي يزيد ارتفاعه على 10 أذرع، وكان قد تهدم عام 1343 ميلادياً، واستخدمت بقاياه في بناء سد بسيط. وهناك أيضاً حمام روماني كبير ومقابر حول القلعة.
عماد الدغلي