دمشق-سانا
أحيت أوركسترا ماري بقيادة المايسترو رعد خلف مساء اليوم أمسية موسيقية مميزة تحت عنوان “حضارات قديمة” وذلك على مسرح الأوبرا في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق حيث قدمت الأوركسترا أعمالا موسيقية من تأليف قائدها ومستوحاة من الحضارات السورية القديمة بقالب موسيقي كلاسيكي زاوج بين روح الشرق والنمط الغربي في الموسيقا.
وأخذ المايسترو خلف خلال الأمسية التي حضرها وزير الثقافة عصام خليل بمصاحبة ستين عازفة سورية جمهور دار الأوبرا إلى زمن الحضارات السورية القديمة ليلمسوا تفاصيل غيبها الزمن ويستنشقوا هواء السنين ويتجولوا بين ممالك أوغاريت وتدمر وإيبلا وماري ويتعرفوا الى اجدادهم ورقي وحضارة حياتهم قبل آلاف السنين في حالة فريدة من التواصل الانساني الفني الحضاري الراقي وكأن أرواحهم ملأت المكان باستحضار الموسيقا لها بأسلوب ساحر ومؤثر حيث لن ينسى مع الوقت كل من حضر هذه الأمسية الرائعة ما لمسه وعاشه من خلال الموسيقا.
وتنوعت المقطوعات التي قدمتها أوركسترا ماري لتلائم الحضارة التي استوحاها المايسترو خلف منها فخلال نحو ساعة من الزمن عزفت الاوركسترا تسع مقطوعات هي آشور وماري وأفامياو فينيقيا وعناة وبعل وأوغاريت وايبلا وجلجامش وغنت الفنانة الشابة كارمن توكمه جي قصيدة مترجمة عن رقم من الواح اوغاريت كما قدمت الفرقة مقطوعة تدمر واهدتها لروح الباحث التاريخي والآثاري خالد الأسعد.
وحول الإعداد لهذا الحفل قال المايسترو خلف في تصريح لـ سانا الثقافية ان العنوان العام للحفلة هو حضارات قديمة وهي حالة استنطاق للاصوات القديمة التي تعتبر ارثنا الغني الذي نملكه حيث اصبح من الضروري الدفاع عنه والمحافظة عليه لافتا الى ان هذه الأعمال الموسيقية الاوركسترالية قادرة على ان تقدم حالة جذب للمستمع الى تلك الحضارات واشكالها وطقوسها ورقصاتها وافراحها مبينا ان برنامج الحفل جاء منوعا ليشمل كل بلاد مابين الرافدين وبلاد الشام التي تعد بالأصل منبع الحضارات القديمة.
وأوضح خلف ان معظم الاعمال التي قدمت اليوم كانت مكتوبة منذ سنوات حيث اعاد تحضيرها لتتلاءم مع تشكيلة الفرقة لافتا إلى ان هذه الاعمال عزفت احيانا بآلات وترية فقط وفي مرة أخرى عزفت من اوركسترا مصغرة مبينا انها هي المرة الاولى التى تقدم بشكلها الحقيقي كسيمفونية تؤديها اوركسترا كاملة.
ولفت قائد أوركسترا ماري الى ان تسلسل البرنامج تنوع حسب مناطق حوض الرافدين وبلاد الشام وفينيقيا مثل آشور وماري اضافة الى ان هناك استنطاقا للملاحم الأشهر في التاريخ كملحمة جلجامش وملحمة عناة بل الأوغاريتية الشهيرة التي تم تقديم أغنية منها.
رزان قصار عازفة الكمان الأولى في الاوركسترا قالت إن وجودي ضمن الأوركسترا منذ تأسيسها عام 2006 أضاف لي الكثير كعازفة لأننا نقدم أعمالا موسيقية لها خصوصيتها ولا تقدم مع غير أوركسترا ماري فالأعمال الموسيقية التي يؤلفها المايسترو رعد مميزة وجميلة واستفدت جدا من عزف هذه المقطوعات مع الفرقة وخاصة مع تميزها بالروح الانثوية التي تقدمها لأننا عازفات سوريات تجمعنا هذه الاوركسترا.
وأوضحت قصار المتخرجة في المعهد العالي للموسيقا عام 2005 أن مشروع اوركسترا يكبر حفلا بعد حفل وستكون له مكانة مهمة وكبيرة سواء داخل سورية أو خارجها مبينة أن اي عمل موسيقي يقدم في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها سورية هو انجاز حقيقي اضافة الى تقديم مستوى فني عال في الحفلات التي تقدم لافتة الى ان من واجب كل الموسيقيين السوريين الاستمرار في عملهم رغم كل الصعوبات التي تواجههم.
أما لين جناد عازفة البيانو في الاوركسترا فقالت ان مشروع اوركسترا ماري يستهوي أي عازفة سورية لتنتمي اليه ففكرة اجتماع نحو ستين عازفة في فرقة واحدة وخاصة ضمن الظروف الصعبة التي نعيشها هو امر في غاية الاهمية ويحقق طموحنا كعازفات سوريات مبينة ان اهم ماتقدمه الاوركسترا اليوم هو رسم البسمة على وجوه الجمهور الذي يحضر حفلاتها واخراجهم من أجواء الحزن الى التفاوءل والفرح والامل وهذا دليل على قدرة الفرقة للوصول إلى ما تطمح إليه في المستقبل.
وأكدت جناد المتخرجة عام 2009 في المعهد العالي للموسيقا أن بقاءها في سورية خلال سنوات الازمة واستمرارها بالعزف ينبع من ايمانها بانتمائها لوطنها الذي لا يمكنها مغادرته تحت أي ظرف مبينة ان من واجب أي موسيقي سوري اليوم ان يقدم فنه للناس ليسهم في إعادة الحياة الجميلة لسورية.
فرح سليمان عازفة فلوت في الاوركسترا وأصغر اعضائها عبرت عن سعادتها بانتمائها للفرقة ومشاركتها للمرة الثالثة في حفلاتها والتي اعطتها الكثير من الدفع المعنوي والخبرة التقنية في العزف مبينة ان وجودها الى جانب كوكبة من العازفات السوريات المحترفات وهي ماتزال في سنوات الدراسة في معهد صلحي الوادي يزيد من طموحها وتحديد هدفها في المستقبل للوصول الى مرحلة الاحتراف في العزف على آلة الفلوت.
وأوضحت سليمان البالغة من العمر خمسة عشر عاما ان اوركسترا ماري تمثل الروح السورية الحضارية والفن السوري العريق الى جانب الإحساس الأنثوي الخاص لافتة الى ان البرنامج الذي قدم يعبر عن حضارة سورية وهو جميل جدا وممتع في العزف والاستماع.
يذكر ان أوركسترا ماري تأسست عام 2006 بقيادة المايسترو خلف وتضم أكثر من ستين فتاة بهدف تقديم الشكل الحضاري للمرأة السورية وقدرتها على الابداع والعمل في اصعب الظروف.
يشار الى ان المايسترو خلف من مواليد البصرة 1964 مقيم في دمشق منذ عام 1986 نال الماجستير في الموسيقا من أكاديمية غنيسينيخ الموسيقية في موسكو اختصاص “كمان تأليف موسيقي” شغل العديد من المناصب منها أستاذ في معهد صلحي الوادي للموسيقا بدمشق واستاذ في المعهد العالي للموسيقا وفي المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق ورئيس قسم الآلات الوترية في المعهد العالي للموسيقا بدمشق والمستشار الفني لعميد المعهد العالي للموسيقا والاوركسترا السيمفوني بدمشق.
كما شارك خلف في العديد من الحفلات الموسيقية داخل سورية وخارجها اضافة الى وضع الموسيقا التصويرية للعديد من المسلسلات الدرامية كما ألف مجموعة من الابحاث في مجال الموسيقا منها “الموسيقا والفن التشكيلي” و”الدراما والموسيقا” إضافة إلى أعماله في مجال المسرح والسينما.
محمد سمير طحان
بروفا أوركسترا ماري-فيديو