الشريط الإخباري

بيت الداء..!!- صحيفة الثورة

سيحتاج الأمر لكثير من التدقيق والتمعّن حتى يكون بمقدور البعض ممن أدمن لغو الخطاب الأميركي في سنواته الماضية أن يعيد ما سمعه من الرئيس أوباما وهو يحذر من خطر الفوضى!!

وسيحتاج كثير منهم إلى مزيد من المراجعة حتى يستوعب ما تلفّظ به بأبعاده ودلالته وتوقيته، وإن كان لا يرتبط بحدود الانقلاب في التفاصيل التي تشغل بال السياسيين المتابعين، حيث الفارق أن الرئيس أوباما يضعها في باب المقارنة بين خطر وآخر يفوقه خطورة، وبين مستحيل من حيث المقاربة، وآخر يفوقه استحالة.‏

فالحديث الأميركي عن الفوضى وخطرها لم يعد مجرّد طريق مختصر وآمن ومضمون للتخدير السياسي، في وقت كانت الإدارة الأميركية تتفنّن فيه بزرع الفوضى، وقد تغنّى سياسيوها بإطلاق التوصيفات والمسميات عليها بما في ذلك تلك التي كانت من نتاج العقد الماضي، وعقلية الإدارة الماضية التي لا تنتهي بالتقادم ولا تفقد فاعليتها بتغيير الإدارات أو بتعاقبها في العُرف الأميركي، وفي حساباته وجدولة اتجاهاته.‏

قد يحمل تحذير الرئيس أوباما من خطر الفوضى رمزية الدخول في خانة المرافعات التي اعتادها دفعاً لخطر يلاحق إدارته، ويواجه عبره تحديات داخلية أكثر مما هي خارجية، وهي ما توجع الرئيس شخصياً ويعرف كم هي ماثلة في سياق التراشق الخلافي مع الكونغرس، وإن لم يخرج من حالة الدعاية المجانية للنظام السياسي الأميركي.‏

لكنها وسط هذه التكهنات تبدو مغايرة لنمط من السلوك المعتاد في مقاربات السياسة الأميركية، ولو جاء التحذير من منبر البيت الأبيض، في وقت وصلت فيه تفاعلات ما زرعته الفوضى الأميركية بصيغها المختلفة ومشاهدها المتعددة إلى ذروة المشهد الإقليمي وهي تقذف أدواتها الإقليمية إلى ما هو أبعد من ذلك وأكثر خطورة، حيث الحديث الأميركي يبقى محكوماً بحسابات وتعاويذ المهمة الأميركية ومقارباتها الناتجة عن تعديل المسار، خصوصاً لجهة الترويج لتحالفاتها الجديدة، وما تفرضها من إحداثيات للعلاقة القائمة بين أطرافها.‏

على أن ذلك لا يعدو كونه إعادة تقويم لانكسارات سياسية بالغت الإدارة الأميركية في توريتها وساقت بعيداً في تجاهلها، وهي تحصي اليوم حسابات الخسارة تبعاً لمرجعيتها الإقليمية ولدور أدواتها وقدرتهم على تحمّل تبعاتها، وإن كانت في نهاية المطاف لا تقف طويلاً عند الكفّة الخاسرة، ولا تتبنّى الخاسرين، وهي المعادلة التي تحكم معايير العلاقة الأميركية بحلفائها كما هي بأدواتها.‏

وفق هذه المعطيات، فإن أميركا الباحثة عن أوراق قوة بديلة لتلك التي احترقت، وفي مقدمتها ورقة الفوضى التي استخدمتها حتى الرمق الأخير، هي ذاتها التي تنظر إلى المشهد بانقلاب واضح في معايير المحاصصة، حيث الفوضى التي وصلت إلى ذروتها باتت تشكل بالنسبة للإدارة الأميركية الحالية نقطة افتراق مع مصالحها، وما يعنيه ذلك في قاموس التجليات الأميركية المختلفة، والتي تعتبر فيها أن ما كان من أدواتها وكيلاً معتمداً أساسياً أو ثانوياً في لعبة زرع الفوضى، يحتاج إلى إعادة تأهيل سياسي ليعيد تأقلمه مع الورقة الأميركية الباحثة عن تفاهمات في المنطقة، أو على الأقل في إنشاء تحالفات ولو كانت مؤقتة.‏

الأخطر الذي جاء على لسان أوباما، لا يتعلق بالتحذير من خطر الفوضى فقط، بقدر ما يرتبط أيضاً بالأمثلة التي اعتبرها في مرتبة واحدة من الخطر الذي يمثل تهديداً للمنطقة والعالم، وهي أمثلة كانت حتى وقت قريب تمثل في جوهر السياسة الأميركية أهدافاً مركزية وثابتة في استراتيجية الفوضى حيال المنطقة، ونقطة جذب لتحالفاتها المختلفة، وهو ما يشكل انعطافة سيكون من الصعب على كثير من أدواتها الاستدارة التي تقتضيها، والأصعب أن تتمكن من استيعابها ضمن الوقت المتاح وقبل فوات الأوان.‏

أميركا المحذرة من خطر الفوضى، ستكون في الشكل غيرها تلك التي جالت في غرب الأرض وشرقها من أجل نشرها، حيثما استطاعت، وحيثما تمكنت الذراع الأميركية من النفاذ، لكن في الجوهر ستبقى حيث هي بانتظار ما يترجم مقاربتها أو انعطافتها، وسيبقى أي تعويل رهناً بتنفيذها، وإن بقي السؤال المركزي: هل تستطيع الأدوات الأميركية فهم وإدراك ما تحمله من رسائل؟ وهل بمقدورها أن تتعظ مما جاء فيها، وأن تتلاءم مع شروطه ومواصفاته.. تلك هي المعضلة.. وهنا بيت الداء؟!!‏

بقلم: علي قاسم

انظر ايضاً

ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن

أخفق العدوان الصهيوني في غزة وعرى الكيان العنصري أمام العالم كله، ومعه الغرب الذي يضخ …