دمشق-سانا
“الإبداع من الفكر إلى الممارسة” بحث للكاتب ديب أبو لطيف حاول أن يعالج فيه موضوع الإبداع من جوانبه المتشعبة كافة صابا عليه خلاصة فكره وتجاربه متنقلا بين مكونات الابداع وآليات عمله بهاجس تغطيتها كلها بموضوعية وعمق.
واعتمد ابو لطيف في كتابه الصادر عن دار رسلان ويقع في 266 صفحة من القطع الكبير على شواهد وامثلة مستخدما أسلوب المقالة ليشرح فلسفة الابداع وأفكاره العلمية وتطبيقاته الواسعة بلغة سهلة تمتاز بالرشاقة والجاذبية.
ويبدأ الكاتب ابو لطيف مساره في قراءة الابداع من الخريف العربي الظالم المتمثل في صراع القوى العظمى القائم على سد الفراغات الجيوسياسية التي ملأت جغرافية الوطن العربي نتيجة تشتت شملها وضياع بوصلتها وكانت النتيجة حروبا مفتعلة على مساحة الوطن العربي مفسرا حيثيات المؤامرة التي سببتها.
ويعالج الكاتب في الباب الأول قضايا الابداع وتداعياتها وفي الباب الثاني تطبيقات الابداع في الحقول التي خبرها وتمرس بها كالإدارة العامة والنشاط الجماهيري والسياسي والسلك الدبلوماسي كما شغلت السياسة وخاصة الوحدة العربية حيزا كبيرا من الكتاب بناء على ما يحمله من هموم مشروع النهضة العربية ومستقبل هذه الأمة.
واستخدم ابو لطيف المنهج العقلاني بين الاستدلال والاستقراء فبدأ بعرض الأفكار والمفاهيم المتشعبة ومن ثم انتقل إلى التحليل وابداء الراي وعرض الشواهد والأمثلة التي تخبئ خلفها التجارب الشخصية التي لم يصرح عنها بشكل مباشر ويخلص إلى النتائج والتمهيد تاركا للقارئ سبل التعليق والمشاركة والاستنتاج.
والإبداع بحسب ما جاء في كتاب أبو لطيف كغيره من النشاطات الإنسانية يمكن أن يأتي به أي إنسان عاقل وفقا لطاقته وبيئته بدءا من اختراع السكين الحجري إلى وسائل التواصل الاجتماعي الالكترونية التي أتاحت الفرصة للتواصل المباشر دون وسيط.
وقدم المؤلف أبو لطيف قراءة تحليلية نقدية شاملة للواقع العربي الإداري والسياسي والدبلوماسي في ظل نظرية الابداع وكيفية توظيفها في هذه الميادين برؤية مستقبلية طموحة منتقدا مسارات الفكر العربي الذي ظهر مهزوزا يسير بلا هدى أو بوصلة.
ويرى الكاتب أبو لطيف أن الابداع بالنسبة للتنظيمات السياسية هو حينما تكشف الأسباب التي تحول دون توحدها فكريا وسياسيا وتنظيميا داعيا إلى إعمال العقل واستخدام المنهج الابداعي في البحث وتنفيذ الحلول بطريقة ابداعية كما سارت الدول المتقدمة خلال العقود الأخيرة.
وصنف الكاتب ابو لطيف المبدعين إلى أنواع فقد اجتهد في التصنيف وعلى سبيل المثال.. المبدعون مبدع مسؤول وآخر مقدام وثالث عنيد ورابع فوضوي أما الإبداع فصنفه إلى جوهري وآخر شكلي مجتهدا في التفريق بين الإدارة بالإبداع والابداع بالإدارة حيث وجد أن العلاقة جدلية بينهما وأن الفروقات طفيفة.
ورأى أبو لطيف أن هناك عوامل مؤثرة بالإبداع كعوامل البيئة الخارجة عن ذات الإنسان والعوامل الذاتية ويقصد بها الفروقات الفردية التي تميز كل شخص عن الشخص الآخر معتبرا أن المفاهيم والمصطلحات المستخدمة بالإبداع مستمدة من البيئة الحياتية.
وأشار أبو لطيف إلى أن المساهمة العلمية والعملية لعمل ما تقاس بمدى مساهمة نتائجه في تطوير حقل المعرفة بالنسبة للنظريين والأكاديميين وفي قدرته التوليدية للبحوث اللاحقة أي ايجاد الرغبة في الاستمرار بالبحث إضافة إلى أفكار أخرى طرحها في كتابه.
واعتبر الدكتور سليم الحسنية في معرض تقييمه للكتاب أنه تجربة غنية بالفكر الاجتماعي والسياسي والدبلوماسي تستحق التوقف والمتابعة ناهيك عن أن الكتاب ضرب جديد في التأليف ولا سيما الدبلوماسي منه.
إلا أنه رأى أن الباحث ابو لطيف خرج مستطردا في بعض مواطن مبحثه متهما أن الشعراء والإعلاميين لا يخرجون في وظيفتهم عن التحليق والخيال والمجاز والتورية وإنهم يقودون الفكر العربي بشكل خاطئ متناسيا أنه عندما كان دور الإعلام والشعر قائما في الماضي وصل العرب في فتوحاتهم إلى قلب أوروبا.