دمشق- سانا
أثبتت الثقافة العربية بدرجات متفاوتة قدرتها على الوقوف بوجه الغزو الثقافي الغربي الذي أزال هويات ثقافية بأكملها في بقاع مختلف العالم ولعل قدرة ثقافتنا على الصمود بوجه التحديات الخارجية يعود بالدرجة الأولى لغناها وتنوعها وانفتاحها على الآخر لكنه يتطلب من المثقفين العرب عدم الركون لقوة أسسهم الفكرية والاعتقاد أنها غير قابلة للمس بالمطلق.
وبهذا الخصوص يقول رئيس تحرير مجلة المعرفة الباحث الدكتور علي القيم في حوار مع سانا الثقافية إن تطوير العمل الثقافي يقوم على حرية التفكير والتعبير عن الرأي واحترام
الآراء المختلفة والانفتاح على الثقافات الأخرى دون إغفال ما تهدف إليه العولمة في المجال الثقافي من فرض معايير ومقاييس ثقافية موحدة تخفي وراءها أغراضاً سياسية مستترة تتمثل في هيمنة الثقافة الغربية بشكل عام والثقافة الأمريكية بوجه خاص.
والمشكلة الأساسية التي تواجه الثقافة العربية في وقتنا الراهن كما يحددها القيم تتمثل في التصدي للتحديات الثقافية الناشئة عن الأوضاع الداخلية وتلك التي تثيرها المتغيرات الثقافية المتسارعة في الخارج والإفادة منها في تشكيل وعي ثقافي متطور يتابع ويدرس التيارات والاتجاهات الفكرية الحديثة ويفيد من أساليب ووسائل نشر الثقافة العربية واستخدامها في الارتقاء بها مع الحفاظ على مقوماتها الأساسية والاعتزاز بتاريخها وتراثها هذا الطابع الدفاعي الذي اتسمت به ثقافتنا ضد الغزو الثقافي جعلها حسب منظور القيم تتحول إلى ثقافة تدافع عن الهوية وعن الماضي ضد هجمة الحاضر وعن التراث ضد هيمنة الآخر حيث اصبحت الوظيفة الدفاعية اختيارا استراتيجيا في الثقافة العربية المعاصرة مع الإدراك التام بصعوبة هذه المهمة التي تتطلب الخوف من مخاطر الانغلاق واجترار الثقافة التقليدية في صورتها الكلاسيكية.
وحتى تنجح الثقافة العربية في تحقيق هذه المهمة الدفاعية كما يرى رئيس تحرير مجلة المعرفة عليها أن تتعامل مع التقنيات الحديثة المتطورة وممارسة النقد الذاتي واستيعاب تحديات المعرفة الفكرية والتقنية والفلسفية والسياسية مشيرا في الوقت نفسه إلى الحاجة إلى تدخل الدولة للتنظيم والترشيد والتشجيع ووضع القواعد ولا سيما في حقل تأسيس وتطوير مؤسسات التعليم ومراكز الأبحاث والمكتبات ومنتديات الثقافة والآداب والفنون ولكونه عمل لسنوات طويلة في اللجنة الوطنية السورية للتربية والثقافة والعلوم ونائبا لرئيس لجنة الثقافة العربية وغيرها.
فقد واكب القيم الاتفاقات الدولية التي عقدت بخصوص التراث الثقافي من بينها اتفاقية حماية التراث الثقافي غير المادي التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم
اليونسكو والتي عرفت هذا التراث بأنه الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات المتطلبة لاتفاق المعرفة التقليدية وما يرتبط بها من الأدوات والقطع والمنتوجات اليدوية والفضاءات الثقافية المتصلة بها والتي تعتبرها الجماعة البشرية أو المجموعات والأفراد في بعض الحالات الخاصة جزءاً من تراثها الثقافي.
ويحمل التراث الثقافي غير المادي طابعا هشا كما يراه صاحب كتاب سورية وعمقها الحضاري لكنه مع ذلك يشكل عاملاً مهماً في الحفاظ على التنوع الثقافي في مواجهة العولمة كما أن فهم هذا التراث يساعد على الحوار بين الثقافات ويشجع على الاحترام المتبادل لطريقة عيش الآخر لأنه في تغير وتطور مستمرين ويزداد ثراء مع كل جيل جديد.
ويبين القيم أنه ومن أجل الحفاظ على هذا التراث حيا يجب أن يظل جزءاً لا يتجزأ من الثقافة وأن يعلم بانتظام في المجتمعات المحلية وبين الأجيال موضحا أن المجتمعات التي تمارس
هذه التقاليد والعادات في كل مكان من العالم لديها أنظمتها الخاصة لنقل معارفها ومهاراتها وعادة ما تعتمد على النقل الشفهي بدلاً من النصوص المكتوبة.
ويختم القيم بالقول إن صون التراث الثقافي غير المادي يعني السهر على بقاء هذا التراث جزءاً فعالاً في حياة أجيال اليوم والعمل على نقله إلى الأجيال المقبلة عن طريق اتخاذ تدابير
صونه وتوثيقه وإجراء الأبحاث بشأنه للمحافظة عليه والترويج له ونقله ولا سيما عن طريق التعليم النظامي وغير النظامي وإحياء مختلف جوانبه وبهذا يكون قولاً وفعلاً جزءاً من هويتنا
الثقافية في عصر العولمة .
محمد الخضر وشذى حمود