النحات غزوان علاف: النحت طريقة تفكير ورؤية مختلفة للمنتج الثقافي

دمشق – سانا

يتميز اسلوب النحات غزوان علاف بخصوصية من ناحية تعاطيه مع المنحوتة على انها فكرة تجسدت في عمل فني جميل فالفكر والجمال عنصران مترابطان لديه بشكل واضح الى جانب حرفيته العالية في الجانب التقني وقدرته على اخراج الطاقة الكامنة من الخامة التي يتعامل معها لصالح الصورة النهائية للمنحوتة.

وعن علاقته بفن النحت يقول علاف في حديث لـ سانا : إن النحت هو طريقة تفكير ورؤية مختلفة للمنتج الثقافي أكثر منه عمل ابداعي ممزوج بحرفية ومهارة عالية على الصعيد التقني مبيناً أن الموهبة دائما هي الاساس للنحات اما المهارة والتقنيات فهي تتطور مع الوقت بالتعلم والتجارب.

ويتابع إن العالم الخارجي للنحات بكل جماله وألمه وتعقيداته وصخبه وحزنه وسكونه حاضر دائما في داخله بجميع الأبعاد لافتا الى انه خلال تعاطي النحات مع عمله الفني يصبح هذا العمل بين يديه عجينه لينة ومادة مطواعة في فكر النحات و الخيال ويتحول الى مادة مصهورة تتقولب بين يديه لتغدو حقيقة دافئة تشع وسط صمت الفراغ حيث لا قيود ولا حدود معتبرا ان المشاهد مدعو للمشاركة بالتجربة وهو جزء منها دوما.

وعمل علاف على مختلف الخامات والمواد وحتى غير الصالحة منها للنحت بالمفهوم العام ولا يميل لإحداها على الأخرى إلا حسب ضرورة الفكرة والإخراج النهائي الذي يريده حيث يبتعد دائما عن الاستقراء والاستيحاء والانسياق وراء شكل المادة وخصوصا خامة الخشب لكنه يجد في الإنسان المعاصر همه الأول دائما من خلال علاقته بنفسه وبالأخر والاشياء من حوله والمكان والزمان.

ويقول.. أعيش من خلال عملي حالة بحث دائمة عن الجديد والمبتكر سعيا للتفرد والخصوصية عبر “الايجاز مع البلاغة” والبساطة مع التركيز ما يحقق معادلة خاصة يمتزج فيها السهل مع الصعب وهي مشروعي المستمر الذي ابتدأته ولا أعلم اين سيصل في المحطات القادمة.

وعن أعماله الحديثة يبين علاف أنها تتمحور حول صراع الإنسان بين الانتكاسات و الأزمات التي يمر بها و قوة الحياة و غريزة البقاء عنده مع اظهاره بعدة حالات كالحزن و الوجع مقابل الامل والحياة و الفرح في وجه الموت.

222وكان للنحات علاف نصيب كبير من الخسارة المادية والمعنوية من خلال الازمة عبر خسارته لمشغله وفقدان مجموعة من الأعمال الحديثة التي لم تعرض مسبقا  الى جانب عدد من اعمال اخرى بطور التشطيب بالإضافة الى كمية كبيرة من المواد الخام و الأدوا ت والأخشاب والقوالب رغم ذلك فهو يعتبر ما جرى جزءا من الماضي ولم يتوقف عنده وتجاوزه من خلال الاستمرار في العمل.

وحول استفادة الفن التشكيلي السوري من تواجد عدد من التشكيليين السوريين في الخارج يجد علاف ان الاحداث الجارية في بلدنا سلطت الاضواء علينا جميعا  كسوريين ومن الطبيعي ان ينال الفن و الفنانون السوريون الاهتمام من قبل مختلف الجهات من العالم مبينا ان  بعض الفنانين استطاعوا ان يستفيدوا من هذه الفرصة على صعيد العرض والإعلام و خصوصا المغتربين منهم و ليس في هذا عيب برأيه.

ولكن نحاتنا يرى ان الفن الحقيقي والأصيل لا يحتاج لهكذا ازمة حتى يعرف او يسوق له داخل سورية او في الخارج ولا يصح في النهاية الا الصحيح.

وعن حال السوق الفنية داخل سورية حاليا يبين علاف ان هناك ضعفا كبيرا من ناحية بيع واقتناء الأعمال الفنية في الداخل و هذا  متوقع  بسبب الازمة التي القت بظلالها بقوة على كل جوانب الحياة لافتا ان السوق الفنية في الخارج لم يتغير حالها كثيراً بالنسبة لاقتناء الأعمال الفنية السورية.

ويرى علاف ان  على الفنان دائما أن يقدم فنا راقيا وأصيلا و احترام المشاهد وعدم الاستخفاف به أو الانقياد وراء ذوق المقتني و إرضائه من أجل التسويق و البيع فمعادلة الفن تسقط في هذه الحالة ويقع الفنان في النهاية في فخ النسخ و التكرار والسطحية.

وحول امتلاك النحت السوري هوية خاصة به يقول علاف ان الفن لغة عالمية للتواصل لا تعرف الحدود والمسافات وهذا ما أثبته الكثير من التشكيليين السوريين من خلال عرض اعمالهم والمشاركة بأهم التظاهرات الفنية العالمية مبينا ضرورة ان يتقن الفنان هذه اللغة  ليستطيع  ان يعبر عنها ومن خلالها عن افكاره وهويته

الثقافية.

ويؤكد ان الفن التشكيلي في تطور مستمر و سريع والعالم ليس بحاجة الى تجارب فنية مقلدة أو منسوخة عن تجارب أصيلة فالتوجه اليوم عالميا للاهتمام بالخصوصية المكانية والزمانية للفنان و تراثه الثقافي و الحضاري والإنساني حيث يحترم ويقدر الفنان عندما يستطيع التقريب والربط بعمله بين ارثه العريق وواقعه المعاش والمستقبل الذي ترنو إليه الإنسانية.

النحات علاف الذي يدرس النحت والرسم  للشباب منذ اكثر من اربعة عشر عاما يعبر عن تفاؤله بمستقبل الفن التشكيلي السوري ويقول لدينا الكثير من الطاقات  والخامات الفنية الشابة الواعدة وما سيحكم على تجاربهم الفنية الوقت والعمل الجاد و إخلاصهم لإرثهم و لفنهم فالعمل هو مفتاح النجاح دائما اما الحظ فهو للفاشلين فقط.

والنحات غزوان علاف من مواليد دمشق عام 1973 وخريج المعهد التقاني للفنون التطبيقية بدمشق اختصاص نحت عام 1993 وعضو في اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين منذ عام 1995 مدرس في مركز أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية  بين عامي 2000 /2014 وله ستة عشر معرض فردي واكثر من ستين معرضا مشتركا داخل سورية وخارجها وأعماله مقتناة ضمن مجموعات خاصة داخل سورية وفي كثير من بلدان العالم.

محمد سمير طحان