في تكرار مستفز وممجوج ومفضوح ومثير للسخرية في الوقت ذاته، أعاد كيان الاحتلال الإسرائيلي تدوير أسطوانته المشروخة بالدعوة إلى إقامة تحالف بينه وبين الدول العربية، لمحاربة ما أسماه “الإرهاب الإسلامي”، في أعقاب الهجمات الإرهابية ضد قوات الأمن المصرية في سيناء الأربعاء، محدِّدًا الدول العربية التي يريد أن يتحالف معها وهي مصر والأردن ودول الخليج “المعتدلة”، موحيًا من خلال أسطوانته المشروخة أن خلاص هذه الدول يتحقق عبر التعاون معه في هذا المجال.
واللافت أن هذه الدعوة جاءت بُعيد قرصنة قوات الاحتلال الإسرائيلي لسفن الحرية القادمة من السويد لكسر الحصار الظالم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي ظل إمعانه في إذلال الشعب الفلسطيني بالممارسات الإرهابية اليومية وقمع المسيرات الفلسطينية الرافضة لهذا الإرهاب والضائقة ذرعًا بتنغيص الحياة اليومية على الشعب الفلسطيني والتي كان من بينها المسيرة الفلسطينية أمس الأول لإحياء ذكرى الجريمة الإرهابية التي ارتكبتها عصابات المستوطنين بحق الشهيد محمد أبو خضير (16 عامًا) وحرقه حيًّا، وذلك بعد وضع البنزين في فمه وأمعائه وجسده، وهو الأسلوب أو الإشارة التي تلقاها تنظيم “داعش” الإرهابي فيما بعد ونفذها بحق الطيار الأردني معاذ الكساسبة الذي وضع في قفص حديدي وقد ظهرت ملابسه مبللة بالبنزين وكذلك أرضية القفص وخارجها. ما يؤكد العلاقة العضوية الراسخة بين أعتى كيان إرهابي وأعتى تنظيم إرهابي تعرفهما البشرية في هذا العصر.
وأمام هذه الحقيقة وما قبلها وما سيعقبها من حقائق حول هذه العلاقة العضوية والمنتج والداعم للإرهاب وممتهنه، فإن وثائق عميل الاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن قد لا تضيف جديدًا عما هو ثابت ومتداول ومعروف لدى الكثير من المتابعين والمحللين والكثير من الاعترافات المناظرة لوثائق سنودن، لكنها تبقى ثابتة في جدار الزمن والذاكرة وصفحات التاريخ تؤشر إلى خيوط الارتباط بين “داعش” والاستخبارات الأميركية والبريطانية والموساد الإسرائيلي.
وإذا كان المثل الدارج يقول “إذا لم تستحِ فافعل ما شئت” فإن كيان الاحتلال الإسرائيلي بدعوته إلى إقامة تحالف مع دول عربية “معتدلة” يريد أن يضيف إلى المثل ليكون “إذا لم تستحِ فقل وافعل ما شئت”، وإن كان يحق له ذلك، فهو يبدو اليوم مرتاحًا جدًّا للتحول الراهن الماثل في العلاقات المشبوهة وعلاقات التعاون الإقليمي وبعض العربي السرية منها والمعلنة في دعم الإرهاب بذرائع واهية وكاذبة كـ”مجابهة الخطر الإيراني، ودعم المطالب الشعبية” وغيرها، لتؤكد المؤكد, وتعكس فهمًا أوسع لمعطيات تطورات الأحداث وحقيقة بروز ظاهرة الإرهاب في المنطقة وطغيانها لتكون ذريعة للإعلان عن ما كان حبيس الأدراج من مخططات واستراتيجيات، وما أنشئ لها من تحالفات عسكرية وسياسية واقتصادية، ولذلك رفع جيش الاحتلال الإسرائيلي سقوف تعاونه ودعمه لـ”داعش والنصرة والجيش الحر وجيش الإسلام والجبهة الإسلامية وحركة المثنى وغيرها من عصابات الإرهاب” في سورية، وفتح المستشفيات لعلاج إرهابييها، وكذلك تدفق الدعم الغربي والإقليمي وبعض العربي لهذه العصابات الإرهابية في سورية والعراق وليبيا وتونس واليمن لم يكن ذلك سوى صورة تعبيرية واضحة عن حقيقة ما يجري.
إذًا، يتبين لنا أن ليس هناك “إرهاب إسلامي”؛ لأن المسلم الصادق ليس إرهابيًّا لا بالفطرة ولا بالدين، وإذا كان الإسرائيليون أرادوا أن يعطوا الإرهاب هوية بأنه “إسلامي” فهو في الحقيقة إرهاب “يهودي” وإسرائيلي و”مسيحي”؛ لأن ما يقع من المحسوب على الإسلام اسمًا من جرم، يقع من المحسوب على اليهودية والمسيحية وغيرهما. على أن السؤال الذي يطرح نفسه: ما موقف الدول العربية “المعتدلة” التي ضربها إرهاب “داعش” والمرتبط بعلاقاته العضوية مع كيان الاحتلال الإسرائيلي من دعوة الأخير إلى التحالف معه؟