بعد أن أثبتت الوقائع أن التحالف الهوليودي، الذي تقوده أميركا، لمحاربة الإرهاب، لا يخدم سوى التنظيمات التكفيرية وتمدد الإرهاب في المنطقة، وفي ضوء عدم جدية المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات صارمة بحق الدول التي تدعم وتموّل الإرهاب وتسهّل تنقّل الإرهابيين، بات لزاماً على الدول المستهدفة اتخاذ خطوات تتجاوز حد الدعم، وتنسيق المواقف والعمل باتجاه تشكيل تحالف استراتيجي يوقف تمدد الإرهاب، كمقدمة للقضاء عليه من جهة، وإظهار الغرب على حقيقته من جهة أخرى.
ومن هنا يمكن القول: إن الاجتماع الثلاثي الذي جمع ممثلين عن سورية والعراق وإيران في طهران، منذ أشهر، من أجل التنسيق بين دول المنطقة لمواجهة آفة الإرهاب والإرهابيين، والمباحثات المزمع إجراؤها في بغداد الأسبوع القادم، تصب في اتجاه وضع اللبنة الأساسية في مدماك هذا التحالف، والبناء عليه مستقبلاً، وفق تطورات الأحداث، خاصة أن الغرب وأدواته والكيان الصهيوني يحاولون إبقاء المنطقة على فوهة بركان لاستنزاف الثروات وتدمير ما تبقى من بنى اقتصادية وإرث حضاري خدمة لأجنداتهم في المنطقة.
وهذا الأمر أكدته جملة وقائع، منها ازدياد عدد المتطرفين القادمين من أوروبا إلى سورية والعراق للانضمام إلى داعش، واستمرار ضخ المليارات لتمويل وتدريب التنظيمات التكفيرية، ومحاولة بعض الدول عرقلة الاتفاق النووي بين إيران والسداسية الدولية، بالإضافة إلى استمرار العدوان السعودي على اليمن، بعبارة أخرى أي حديث عن الحلول السياسية لأزمات المنطقة بالنسبة للغرب لا يمثل أكثر من محاولة استرضاء الرأي العام لديه، الذي استشعر مخاطر ارتداد الإرهاب، وبدأ يضغط على الحكومات لوقف اتباع سياسة حافة الهاوية لتأمين مصالحه.
لاشك أن التعويل على دور غربي في معالجة أزمات المنطقة لا جدوى منه، فالغرب الاستعماري، وحلفاؤه وأتباعه من الرجعية العربية والعثمانية الجديدة، لاهمّ لهم إلّا مواصلة مخططهم التدميري الهادف إلى إغراق المنطقة في حروب بينية، سيتمخض عنها حتماً ظهور بؤر إرهابية جديدة، تعمل أمريكا على تقويتها في مواجهة القوى الصاعدة، وفي مقدّمتها روسيا، والدليل على ذلك توارد معلومات عن قرب إعلان إمارة “داعش” في القوقاز ومركزها المناطق الجبلية في شمال غرب روسيا.
التجارب السابقة مع أمريكا تؤكد أنها لا تبدأ بتبديل مواقفها إلّا عندما تستشعر أن الطرف المستهدف بات قادراً على إفشال مخططاتها، عندها تعمل على فتح قنوات للتفاوض السياسي، وتنزل من سقف مطالبها تدريجياً، وفق ما تفرضه وقائع الميدان، وبالتالي فإن التحالف بين الدول الثلاث، بالإضافة إلى دعم روسيا والدول الصاعدة، بات ضرورة ملحّة في هذه المرحلة، لمواجهة آخر فصول الحرب، حيث كشف المستعمرون الجدد والمستعربون في الخليج كل أوراقهم، وتشير تطورات الميدان في سورية والعراق أن “داعش” ينحسر أمام ضربات جيشي البلدين والمقاومة الشعبية، وفيما بدأت تتضح ملامح خروج أردوغان من الساحة السياسية، يبحث نظام آل سعود عن مخارج تحفظ ماء الوجه من مستنقع اليمن. إذن، فإن نضوج التحالف السوري العراقي الإيراني سيكون بداية مرحلة الحسم ورسم انتصار محور المقاومة على المشروع الصهيوأمريكي التكفيري الوهابي وولوج عالم جديد متعدد الأقطاب ينهي عصر الهيمنة الأمريكية على المنطقة.
عـماد سـالم