اللاذقية- سانا
يتبنى الكاتب والمسرحي الدكتور محمد اسماعيل بصل في أعماله المسرحية مشكلة الإنسان وهمومه وآماله وتطلعاته ويرتبط ارتباطا وثيقا بها في مجتمع باتت فيه الإنسانية متراجعة ومنهزمة ويرى أن الإنسان الحر والموضوعي الحقيقي لا يكل ولا يمل من البحث عن الحقيقة وهذا يتجلى من خلال الصراع الذي يتم بين المثقف وعالمه المتغير ولعل فكرة السعي خلف الحقيقة ومحاولة تعرية الواقع هي من أكثر الأفكار التي طرحها ولا تزال صالحة للطرح في كل زمان ومكان.
وعن دور المسرح في ظل الأزمة التي تتعرض لها سورية بين بصل في حديث لـ سانا أن المسرح أبو الفنون وأمها ومنه تندح الفكر والعبر وهو الملاذ الذي يحتاجه الإنسان في حياته ليعبر عما في داخله كما أنه الفضاء المميز لتشييد الحوار ومن هنا يجب على الدولة والمجتمع العناية بهذا المسرح ودعمه معنويا وماديا لأنه ببساطة هو المرآة التي يمكن أن تعكس حياة الناس وآمالهم وتطلعاتهم وبالمحصلة هو المكان الذي يجتمع فيه المرسل والمتلقي في جو احتفالي جماعي يتناقشون حول موضوع يهمهم ويلتصق بحياتهم.
وتابع.. نلاحظ في هذه الأيام عزوف بعض الفنانين عن عالم المسرح متذرعين بأنه لا يطعم خبزا والدراما التلفزيونية تطعم عسلا ونحن نقول أن فن المسرح فكر عريق يطعم حرية وكرامة وابداعا وحضورا إنسانيا فعالا وعلى الرغم من فقر الامكانات المادية إلا أن الإقبال الجماهيري على الأعمال المسرحية الجادة يثبت في كل مرة أن للمسرح عشقا وسحرا خاصين ولا بد من أن يأتي يوم ويعود الجميع إلى عالم المسرح حيث يتم التفاعل الإنساني الحقيقي بين المبدع والمتلقي والمستقبل سيثبت مرة أخرى أن المسرح لا يمكن أن يضاهيه في الحضور فن آخر.
وعن آخر أعماله المسرحية التي قدمها قال الدكتور بصل.. آخر ما قدمناه في المسرح القومي في اللاذقية كان مسرحية “سهرة في المقبرة” من تأليفي وإخراجي واستمرت لمدة عشرين يوما ثم عرضت على مسرح طرطوس القومي لمدة يومين والمسرحية تتحدث عن مقبرة مفترضة تكون شواهد قبورها على شكل كتب ودواوين ومؤلفات لعدد من الكتاب السوريين الراحلين أمثال سعد الله ونوس ومحمد الماغوط وممدوح عدوان ونزار قباني وغيرهم.
وبين مدير المسرح القومي باللاذقية أن للمثقف دورا لا يقل أهمية عن دور الجندي في هذه الحرب التي يشنها الأعداء على بلدنا والكلمة تساوي الرصاصة حين تستخدم بالوقت والأسلوب المناسبين وعلى المثقف أن يلعب دورا ابداعيا في مخاطبة العقول وتوجيهها وفي بناء المجتمع الذي ينتمي إليه مهما كانت طبيعة هذا المجتمع والظروف التي يعيشها مؤكدا أن هذا الدور يصبح مهماً وخطراً عندما يكون المجتمع في أزمة موضحا أن المثقف هو الذي يعمل على معالجة القضايا القائمة بين الحقيقة العلمية والايديولوجيا السائدة وهو القادر على فهم حركة المجتمع واتخاذ موقف فكري إزاءها.
وأضاف.. في هذه الأزمة التي تمر بها بلادنا وقف بعض المثقفين على الحياد الذي ينسف دوره كمثقف ويحوله إلى شخص وهمي بعيد عن الواقع وبعضهم الآخر ساهم مساهمة فعالة في فهم وكشف أبعاد ما يحدث وراح يسعى عبر القلم ليكون جنباً إلى جنب مع الجندي العربي السوري الباسل في سبيل دحر هذا الفكر التكفيري الظلامي الدخيل الذي اجتاح بلادنا من كل حدب وصوب وهناك فئة قليلة غلبت الجانب الشخصي على الجانب المجتمعي وراحت تبحث عن مكاسب
ذاتية أبعدتها عن مجتمعها وفقد أصحاب هذا الدور صفتهم كمثقفين.
وعن أهم الأعمال التي قدمت على خشبة المسرح القومي خلال الفترة الماضية أوضح بصل أن المسرح القومي في اللاذقية أحد الروافد التي ترفد الحركة المسرحية ويسعى لتقديم الأفضل سواء على مستوى النص أو على مستوى العرض موضحا أن أهم ما يميز المسرح القومي هو انفتاحه على جميع الكفاءات والطاقات وخاصة الشابة التي تنصهر مع المهارات العتيقة ليقدموا معاً مسرحاً جاداً وملتزماً بقضايا المجتمع الذي ينتمون إليه.
وأوضح أن العمل المسرحي يقوم على ركيزتين أساسيتين هما النص والعرض فالنص هو الوحدة الأولى والأساسية حتى لو كان شفهيا أو مكتوبا أو إيمائيا ولكن هذا النص لا يستحق وسمه بالمسرحي إلا إذا كان قابلا لأن يقدم وأن يعرض على خشبة المسرح وأن يحمل في طياته مقومات العرض المسرحي عبر ركيزتيه الأساسيتين هما الحور والموضحات الإخراجية لذلك فاختيار النص هو خطوة أولى و مبدئية في المشروع المسرحي وبجميع الأحوال فإن العمل المسرحي هو عمل جماعي بامتياز ولا بد من أن تتضافر الجهود جميعها من أجل تقديم مسرح حقيقي.
يذكر أن الدكتور محمد اسماعيل بصل مدير المسرح القومي باللاذقية و عميد كلية الآداب في جامعة تشرين سابقاً واستاذ اللسانيات في جامعة تشرين و عضو اتحاد الكتاب العرب ومدير فرقة جامعة تشرين المسرحية وله عدد من الكتب في مجال اللسانيات التطبيقية على المسرح إضافة إلى عدد من الأبحاث والدراسات وله في مجال التأليف المسرحي عشر مسرحيات مطبوعة وله في مجال الإخراج المسرحي أكثر من عشرين مسرحية قدمت على مسارح القطر العربي السوري وبدأ حياته المسرحية في الجامعة عام 1976 ولا يزال يعمل في مجال المسرح منذ ذلك الوقت حتى تاريخه.
بشرى سليمان – مي قرحالي