اللاذقية-سانا
قدمت الدكتورة ماري سركو في محاضرة بعنوان “التراث السوري الثقافي الأصيل” صورة عن ملامح الكاتب السوري الساخر الناقد واللاذع لوقيان السمياطي وعلاقته بمؤلفاته وبيئته وتأثير ثقافة وطنه السوري على ثقافته الخاصة وتفاعلها مع الثقافات الأخرى وما يحمله في نفسه كفرد من تراث وحضارة مجتمعه السوري والعلاقة بين سوريته ويونانيته.
وأكدت الدكتورة سركو ان العودة إلى مثل هؤلاء المفكرين الكبار يرجع الى ان الشعوب الحية لا تتخلى عن انتاجها الثقافي الحضاري لأنه يعبر عن اصالتها في مواجهة مشاكل الحياة وايجاد الحلول لها كما يعبر عن روحيتها العامة.
وبينت ان هذه العبقرية الأصيلة في إبداعاته الأدبية والفلسفية والنقدية الساخرة تدل على مدى ارتباطه بأصله الوطني وتعلقه بأرض ابائه واجداده وعلى عمق اصالة خطه الفكري الثقافي المميز عن الفكر اليوناني الروماني ويظهر ذلك واضحا في مواقفه وافكاره وآرائه المتعلقة بالدين والادب والفن والفلسفة والحياة والموت.
وبينت ان ما يهم من العودة الى “لوقيان” والتعرف إلى شخصيته وانتمائه الوطني وحياته وأسلوبه ومشكلات عصره في علاقتها مع وضعية مجتمعه الفكرية والاجتماعية والسياسية هو العلاقة التفاعلية بين الفرد وتراثه المجتمعي ذلك ان لكل مجتمع تراثا وخط سير في الحياة يتكون مع الزمن وتعاقب الاجيال لافتة الى ان القارئ يستشف من كتاباته انه رجل عبقري أصيل مبدع خلاق يستحق إحياء ذكراه وإعادة نشر مؤلفاته بالعربية بعد ان سبقنا الغرب في قراءته والتأثر به.
وأوضحت.. ان موقع سورية الاستراتيجي على شاطىء المتوسط الشرقي زاد من اهمية دورها وفاعليتها وقيمتها الحضارية في ملتقى الحضارات الثلاث ليس فقط في الحقبة الرومانية وانما على امتداد العصور حيث ساهم ابناء سورية وبفعالية في صنع حضارات الامم المجاورة التي عز نشاطها التجاري والحرفي والثقافي وسمي باسمها اي البحر السوري حيث حملوا بواسطته التجارة والأبجدية الى كل انحاء المتوسط التي كانت اعظم انتاج حضاري الى العالم.
وتمتعت سورية بالأمان وتوسعت شبكة المواصلات وازدهرت الصناعة وخاصة صناعة الزجاج وتحسنت الزراعة حيث كانت تدعى حوران اهراء روما في ذلك العصر وازدهرت مدن سورية مثل دمشق وانطاكية والقدس وحص وبيروت وبعلبك وازدهرت العلوم والفنون والآداب ايضا وقد نبغ في هذا العصر كثير من العلماء والادباء والفلاسفة.
واستخدم لوقيان السمياطي اللغة اليونانية كوسيلة لنشر افكاره وآرائه في عالم اوسع من رقعة وطنه ما زاد شهرته في العالم اليوناني الروماني حيث تنتشر هذه اللغة فقد امتلك ناصية اللغة واندفع ليخلق اسلوبه الخاص المميز الذي كان أقرب الى الاسلوب اليوناني وهو اسلوب فني رائع ولم ينكر في كل كتاباته لسوريته بل تعلم ان هناك وطنا اخر يمكن ان يتعلم فيه.
وترى الدكتورة سركو ان تعلق لوقيان بوطنه السوري واضح لايحتاج الى اثبات فهو يقول “لا شيء أحلى من الوطن” فلا شيء يمكن ان يغريه عن أهله وتراب بلاده حتى ولو نال الشهرة والثروة والمجد فإنه يبقى غريبا.
وأوردت المحاضرة أهم صفات الناقد برأي لوقيان وهي التخلص من الخوف وان يكون حرا صديقا للصراحة والحقيقة معا وان يسمي الأسماء بأسمائها ولا يأبه للحقد ولا للصداقة وان يكون حاكما عادلا لا ينسب الى احد ما ليس له وعليه ان يكتب كأنه غريب لا وطن له ولا ملك يتحيز ولا يهتم لما يفكر به هذا او ذاك انما يخبر ما قد حصل.
ولفت إلى انه انتقد المؤرخين فيقول لكي تكون مؤرخا بارعا يجب ان تحمل في أعماق نفسك ميزتين أساسيتين الذكاء السياسي ووضوح العبارة.. وأسلوب الكتابة يجب ان يتناسب مع دقة الموضوع وغايته والتاريخ فن عندما تصبح المعلومات جاهزة يأتي دور الصياغة والاناقة في سردها.