الشريط الإخباري

فرص “تحت الرماد”-صحيفة البعث

خبا بريق الجانب التنموي لدينا أمام حضور متوالية أحداث الميدان العسكري وتفاصيل المواجهة مع الإرهاب، وطغت النفحات السلبية للأزمة على ملامح الأداء الحكومي العام، وكذلك التعاطي الشعبي مع كل ما يندرج في سياق اليوميات، في زمن يبدو من الملحّ فيه أن نعنون روزنامتنا الخاصة والعامة بعبارة “ممنوع الارتباك”، لأنه فصل من فصول التوطئة لهزيمة فشل السّاعون في توطينها بيننا على مدار سنوات الحرب على سورية.

فإن كان علينا الاستسلام والانكفاء ترقباً، عبر الاقتناع بالتأثيرات المباشرة للاعتبار الأمني على التنمية، لكان علينا افتراض أن سورية بلد فاشل ومتقهقر تنموياً حتى حدود البدائية، على خلفية عقود من الصراع القاسي مع أخطر بؤرة توتير أمني، وكيان عنصري ودموي تموضع على حدودنا، لم يدخر فرصة لتهديد وجودنا برسائل رعبٍ لا تقل خطورة عن ممارسات الإرهاب الراهن، لكننا حظينا بفورات تنموية متعاقبة، وواكبنا استحقاقات التاريخ الحضاري السوري بنهضات شاملة، كما أي بلد آخر ينعم بالأمان، لا خطر “استراتيجي” محدق به ولا “إسرائيل” تقبع على تخومه.

لذا قد يكون من الضروري الآن أن نسارع جميعاً لبلورة إجابة على سؤالٍ بالغ الأهمية والحساسية هو: هل علينا إرجاء أي فعلٍ تنموي من النوع المستدام حتى نهاية الحرب على سورية.. وهل بيننا من لديه نبوءة بحدود البعد الزمني لهذه الحرب؟.

ثم أليس الاستمرار في حالة الشلل التنموي هو أحد أخطر أهداف هذه الحرب القذرة.. ألم نتفق على أن ثمة بعداً اقتصادياً واجتماعياً واضحاً في دوافع كل المتأبطين دماراً لسورية؟.

وكي لا نتهم بمجافاة الموضوعية في طرحنا قد يكون علينا إيضاح أننا نعني البعد التنموي بمستوياته الدنيا والمتوسطة التي تندرج في خانة استحقاقات قصيرة ومتوسطة الأجل، أي ما يتصل بـ “مكنة” الإنتاج – صناعي أو زراعي – وخلق بدائل حقيقية في المناطق المستقرّة، تعفيناً من “لعنة” الاستيراد والدولار والسماسرة العابرين للقارات.

وإن كنّا نسلّم بالحضور الواضح لدور الدولة في حياة مواطنيها، إلّا أن ذلك من شأنه أن يزيد من مساحة مطارح “حرق الموارد” والغرق في استحقاقات تحت بند الإنفاق الجاري، ولا نعتقد أن أحداً في الإدارة الحكومية يمكن أن يضمن استدامة هكذا إنفاق استنزافي على المدى الطويل.. فسياسة إطفاء الحرائق لن تكون مجدية، ولا بد من مبادرات استباقية.

لقد أفرطنا في الحديث عن البطالة والفقر، كما شكل هذان “الداءان” محور تقارير سوداء تضخّ سمّاً خالصاً نحونا، لكن مساحات شاسعة من أراضينا مازالت خارج نطاق الاستثمار الزراعي، بشقيه النباتي والحيواني، ونتحدّث عن أراضي الأملاك الخاصة وأملاك الدولة على حدٍّ سواء، كلّها فرص ثمينة ضائعة في حنايا ريفنا الآمن، وبطالة بغيضة لوسائل إنتاج، هي أخطر بكثير من بطالة القوى العاملة، لأن الأولى هي السبب المباشر للثانية، ولعلنا نمتلك من الميزات النسبية والمطلقة في الزراعة والتصنيع الزراعي والتحويلي، ما يؤهلنا لنكون على رأس قائمة الدول المصدرة لسلة سلع ومنتجات غنية ومتنوعة، وإذا لم نستثمر الآن في هذا الظرف العصيب علينا أن نسأل أنفسنا إلى متى وماذا ننتظر؟.

سؤال ننطلق به من عدة اعتبارات، أولها: الأمن الغذائي لبلد يتعرض للحرب والحصار، وثانيها: الأمن الاجتماعي لأعداد كبيرة من العاطلين عن العمل، وثالثها: “الأمن النقدي” والعائدات المفترضة من خطوط الصادرات التي بدأت تنتعش بقوة، وقد يكون في أرقام اتحاد المصدرين السوريين ما يؤكد أن في هذا العالم أسواقاً كثيرة تنتظر المنتج السوري وترحب به.

نحن في عالمٍ جديد وتوازنات جديدة، وتحالفات اقتصادية تنشأ وتتكون على إيقاع “المسألة السورية”.. وكما نحن جزء منها سياسياً وعسكرياً، يجب أن نكون مكوناً أساسياً فيها اقتصادياً، ويبدو على حكومتنا ألّا تسهو عن ذلك بذريعة الأزمة.. كي لا نصحو يوماً ونجد أن قطاراً قد فاتنا وكنا نحن أهم أسباب انطلاقته في هذا العالم الرّحب، فلنستدرك ما يمكن استدراكه.

بقلم: ناظم عيد

انظر ايضاً

خريطةُ طريقِ البقاء.. بقلم: ناظم عيد

بما قلَّ ودلّ، اختصَرَ السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته أمامَ القمّة العربيّة في جدة، …