الرياض-سانا
في موقف يؤكد استمراره في دعم الإرهاب بالمنطقة أعلن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بشكل واضح وصريح خلال زيارته الأخيرة إلى السعودية وقطر استعداده لمواصلة بيع كل القيم التي قامت عليها الجمهورية الفرنسية وحملتها كشعارات تعبر عنها بخصوص الحرية والعدالة والمساواة مقابل مليارات عدة من الدولارات الخليجية تذهب لمصلحة خزائن شركات السلاح الفرنسية.
وجدد هولاند في تصريحات له التزام بلاده بما سماها “مسؤولياتها” تجاه ممالك ومشيخات الخليج معتبرا أن “شراكته معها ومع هذه المنطقة شراكة قوية وأن الدفاع عن مصالح الخليج يعني الدفاع عن فرنسا وبالتالي فإنها لن تتردد في القيام بعمل ما إن كان هذا العمل ضروريا حتى لو كان عملا عسكريا لأجل هذه الشراكة”.
وفي استكمال لمحاولاته استرضاء مستضيفيه شدد هولاند على دعم بلاده للغارات الجوية التي يشنها التحالف الذي يقوده نظام ال سعود على اليمن متجاهلا كل التقارير التي أكدت وقوع الآلاف من الضحايا المدنيين نتيجة لاستخدام أسلحة محرمة دوليا بما فيها الذخائر العنقودية التي زودتهم بها الولايات المتحدة في هذه الغارات وفق آخر التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية دولية عدا عن الدمار الكبير الذي لحق بالبنى التحتية والمنشآت العامة والخاصة.
وفيما يخص الوضع في سورية أصر هولاند وكما هي عادته في كل فرصة تسنح له على تكرار ذات الاسطوانة المشروخة حول ما يسمى المعارضة على الرغم من كل الحقائق والوقائع بل حتى إقرار الولايات المتحدة زعيمة التحالف الذي ينضوي هولاند تحته بعدم وجود مثل هذه المعارضة وتلاشيها في ظل تغول وهيمنة التنظيمات الإرهابية المتطرفة على ما يسمى المعارضة السورية.
ويلفت المراقبون في هذا السياق إلى أن ما يثير الاستغراب في إصرار هولاند على تكرار ذات الاسطوانة هو إقراره في مؤتمر صحفي عقده في الرياض مساء أمس بأن هناك 1500 مواطن فرنسي التحقوا بالتنظيمات الإرهابية التكفيرية كداعش وجبهة النصرة في سورية والعراق وأن مئة منهم قتلوا حتى الآن وهو ما يدفع الكثيرين إلى التساؤل عن ماهية وجود وحيثية هذه المعارضة المعتدلة في سورية التي يتحدث عنها هولاند.
كما يشير المراقبون إلى تناقض لافت يقع فيه هولاند نفسه بخصوص تشديده على ما سماه “أهمية الحل الدبلوماسي لإنهاء النزاعات في المنطقة” مؤكدا “أن باريس لن تسمح بأن تعم الفوضى المنطقة” وهو الأمر الذي لا يمكن تحقيقه أو تصديقه في ظل استمرار تدفق السلاح والمال ومختلف أنواع الدعم للارهابيين بمختلف مسمياتهم في سورية من قبل حكومة هولاند وحلفائها والذي يكشف عنه النقاب كتاب جديد سيصدر في باريس خلال أيام للكاتب الفرنسي كزافييه بانون تحت عنوان في كواليس الدبلوماسية الفرنسية يقر فيه هولاند بأن بلاده سلمت أسلحة قتالية لما يسمى المعارضة في سورية بينها مدافع ورشاشات وصواريخ مضادة للدبابات في عام 2012 إضافة إلى تخطيطها لشن غارات على سورية في أواخر صيف 2013.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن بانون وهو خبير في الشؤون الدبلوماسية والعسكرية قوله.. “إن فرنسا سلمت مقاتلي المعارضة مدافع من عيار 20 ملم ورشاشات من عيار 7ر 12 ملم وقاذفات صواريخ وصواريخ مضادة للدبابات”.
وأضاف بانون.. “إن عمليات التسليم التي بدأت في الربع الثاني من العام 2012 لم تكن منتظمة وكانت تهدف إلى مساعدة المسلحين أكثر منه إلى إحداث تأثير لتغيير مجرى المعارك”.
ولم يغب الملف النووي الإيراني والعلاقة مع إيران عن كلام هولاند إذ أشار إلى “أن المحادثات الجارية حولهما تستحق الحرص واليقظة كما تفعل بلاده” حسب تعبيره لافتا إلى أنه وفيما يتعلق بالعقوبات على إيران فإن “فرنسا تؤيد أن يتم رفعها بشكل تدريجي بينما يجب أن يبقى الحظر على توريد الأسلحة إليها قائما” ما يؤكد استعداده للخروج على كل التفاهمات الدولية التي تم ويتم التوصل إليها بين إيران والمجموعة الدولية رغبة في الحصول على رضا وأموال الخليج ومشيخاته.
كل هذه المواقف التي أطلقها هولاند خلال لقائه بزعماء ممالك ومشيخات الخليج لم يستطع حتى المحللون والكتاب الفرنسيون إلا أن يعبروا عن غضبهم وامتعاضهم منها واصفين إياها بأنها “مجرد تملق لعرابي الإرهاب وتقديم لمصالح سياسية واقتصادية مع أنظمة تعد من أسوأ أنظمة العالم في مجال انتهاك حقوق الإنسان وحريته كما بينت المنظمات الدولية المعنية بذلك والممارسات التي تقوم بها هذه المشيخات والممالك”.
ويشير الكتاب الفرنسيون إلى أن هولاند يقوم بمقامرة خطيرة في التعاطي مع أنظمة كنظام ال سعود “شكلت الملهم لكل الحركات المتطرفة حول العالم من خلال الوهابية الشكل الأكثر تحفظا وصرامة وتزمتا والسلفية المتطرفة التي تعد ابنا لها”.
ويؤكد الكتاب أنه “وفقا لأجهزة الاستخبارات الغربية لا تزال الجهات المانحة السعودية هي المصدر الرئيسي لتمويل الجماعات الإرهابية في جميع أنحاء العالم”.
فالبترودولار وتأثيراته كما يقول المراقبون هو الذي جعل فرنسا التي لا تزال عضوا دائما في مجلس الأمن وتمتلك قوة نووية مستقلة بلدا يخضع للتأثيرات وينساق وراء مواقف لا تتناسب مع تاريخه وشعاراته وقيمه وخصوصا بعد أن تحول هولاند نفسه في ظل حالة الضياع السياسي التي يعيشها مع وزير خارجيته لوران فابيوس وأعضاء حكومته إلى “مجرد موظفين في قصر الإليزيه والذي بات فرعا من فروع شركة توتال النفطية العملاقة” حسب وصف أحد الكتاب.