بالتزامن مع انتهاء أعمال “موسكو2″ بإشارات إيجابية، وإعلان الأمم المتحدة إرسال الدعوات لـ “جنيف3″، أعلن “أردوغان” وزمرته من حلف المتضررين الدائمين من الحل السلمي السوري الداخلي “عاصفة الحقد” على الحل، وعلى السوريين قاطبة، من أجل “فرض واقع سياسي جديد”، يستلزم إقامة “منطقة آمنة”، إما رسمياً أو واقعياً، باعتبارها الخطوة الأهم لتثبيت مستجدات ميدانية، تُصرف لاحقاً في الفضاء السياسي الذي يرسم للمنطقة.
وبالطبع، لم يعد مهماً إثبات رفض هذا “الحلف”، بمختلف مكوّناته، للحلول السلمية وأسباب ذلك، ففيما تمتلئ الصحف ووسائل الإعلام الغربية قبل العربية بالدلائل وتُفصّل في الأسباب، أكد المبعوث الدولي السابق إلى اليمن “جمال بن عمر” أن أول ضحايا “عاصفة حزم سلمان” كان الحوار اليمني الداخلي، الذي كان قد وصل إلى مرحلة متقدّمة تؤسس ليمن لأبنائه، وهي خطوة لا يبدو أن السعوديين في وارد “هضمها” أبداً، وفي ذات السياق فإن “جسر الشغور” وقبلها “إدلب” ليست سوى مرحلة جديدة في مسار عثماني قديم، يتناسب طرداً مع المسار السلمي السوري، فكلما جنح السوريون للسلم وارتفع مؤشره البياني، ارتفع معيار جنون “أردوغان”، وازداد حجم تدخله، لكن اللافت في الخطوة الأخيرة هو توقيتها في “اللحظة الميتة” كما يقال، أو لحظة ارتباك استراتيجي، تعبّر عنها، بدقة متناهية، دعوات “دي ميستورا” لحوارات سورية منفصلة تمتد على مدى شهرين، وتتزامن نهايتها، للمصادفة..!!، مع الموعد النهائي لتوقيع الاتفاق النووي المنتظر.
ولأنه لا وجود “للمصادفة” في السياسة الدولية، فيمكن، مع توسيع زاوية الرؤية، التأكد من أن الأمر أبعد من “حقد السلطان” ووهم حزمه، فهو مخطط متكامل لمحور كامل، يقوده مايسترو واحد، مدان بالتواطؤ الصامت على الأقل، والقيادة الفاعلة على الأكثر، وهو الأرجح، لما يحدث، ففيما يهجم “السلطان” بقواته البرية-القاعدة- وبتنسيق “قطري” كامل من الشمال، يدخل الأردن بدعم سعودي مطلق وتغطية ميدانية “إسرائيلية” مباشرة معركة الجنوب.
وبالتأكيد من المهم قراءة الهجوم على هذا المستوى من الاتساع، كي تكون المواجهة، إذا أريد لها النجاح، على ذات المستوى، وحين نفهم ذلك، يمكن لنا أن نفهم فوراً مغزى الإعلان الإعلامي عن توقف العدوان السعودي على اليمن واستمراره الفعلي على أرض الواقع، كما نفهم أيضاً الاتصالات المباشرة التي كشف عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بين إرهابيين من شمال القوقاز وممثلي أجهزة الأمن الأمريكية، للتنسيق ضد بلاده.
إذاً هي مرحلة “سيولة” في المنطقة، وخلالها سيستمر الهجوم، التركي-السعودي- القاعدي، بالتصاعد، حتى خلال مشاورات “جنيف3″ السورية، بحثاً عن تغيير واسع وسريع للمشهد الاستراتيجي في المنطقة كلها، أو على الأقل تثبيت نقاط تفاوض استراتيجية جديدة، سواء في اليمن أو سورية أو سواهما، لمصلحة واشنطن وأتباعها، وهذا ما يفسر، مثلاً، صمت مجلس الأمن الدولي عن تعامل هذه الدول العلني “داعش” و”النصرة”، بالرغم من قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالإرهاب، باعتبارهما “الجيش البري” الوحيد الباقي لإسقاط سورية، بمن وما تمثله من وزن نوعي في المنطقة كلها.
وبالطبع هنا لا يكفي أن نتحدّث عن “مخطط تركي وقطري” وحتى سعودي، لهدم الدولة السورية، فهؤلاء أدوات صغيرة في مخطط أمريكي-إسرائيلي أكبر، إن نجح ستطال مفاعيله الجميع، وبالتالي فإن المعادلة القادمة التي سترسم معالم المنطقة في المستقبل القريب بسيطة للغاية، وهي: “نصر سورية نصر لها ولحلفائها وللقوى الحية في المنطقة والعالم، وهزيمتها، التي لن تحدث، هزيمة لهؤلاء جميعاً دون استثناء”.
وبالتالي فإن “الصبر الاستراتيجي” الذي يمارسه البعض ضد تركيا أو غيرها، و”الضياع الاستراتيجي” الذي يسم حركة البعض الآخر، قد يكلف الجميع هزيمة استراتيجية كبرى، وحينها، لن ينفع البكاء على اللبن المسكوب.
بقلم: أحمد حسن