مهرجان الشيخ صالح العلي يمنح ذكرى الجلاء مزيدا من الألق الثقافي والفني

طرطوس-سانا

كما في كل عام منحت الاعمال الفنية في مهرجان الشيخ المجاهد صالح العلي الثامن عشر بمنطقة الشيخ بدر بطرطوس هذا الحدث السنوي القا ثقافيا وتراثيا حيث تداخلت قصائد الشعراء مع خطوط النحت والرسم للفنانين المخضرمين والشباب فضلا عن مشغولات حرفية تحمل أعرق ملامح الريف.

وفي ساحة ضريح الشيخ المجاهد توزعت منحوتات حجرية لعشرة فنانين بعد ثلاثة أسابيع من العمل الدؤوب لإبداع ما يليق بالمهرجان فاتخذت منحوتة الفنان اكثم عبد الحميد “ذاكرة المقاومة” مكانا بارزا وتظهر فيها مجموعة كتب وأربع رصاصات حيث أوضح عبد الحميد في تصريح لنشرة “سانا” الثقافية ان الكتب هي السجل الخالد لملاحم أبطال الثورة السورية الكبرى والتي يسطرها اليوم الجيش العربي السوري لأن الشيخ صالح العلي أكد ان مقاومة المستعمر لم تكن بالبندقية وحدها بل بالكلمة والفكر الوطني المتكامل.

وتأكيدا للفكرة أظهر النحات علي سليمان في منحوتته جنديا مقاتلا وشخصا اخر يحمل كتابا ما يرمز الى مقاومة الجهل والظلم والارتقاء بالإنسان بحسب سليمان الذي اشار إلى أهمية مواكبة الناس للأعمال النحتية منذ بدء التحضيرات للمهرجان لما لذلك من دور في اغناء ذائقتهم البصرية.

من جهته جسد النحات عيسى سلامة احدى المعارك التي خاضها الشيخ المجاهد مع الثوار في منحوتة تضج بالحياة ليؤكد أهمية الأثر الحركي لهذه الاعمال في عين المتلقي وما تبعثه من فخر برجولة أبناء هذه الارض وتضحياتهم وصولا الى الاستقلال.

وفي منحوتته “من نسر سورية إلى حماة الديار” مثل النحات محمد بعجانو النسر السوري بعنفوانه الذي يستمد منه الجنود السوريون الأنفة والقوة في حين جسد الفنان علاء محمد مجموعة بشرية تمثل فئات الشعب المختلفة التي تولد دائما نخبة ثقافية لبناء المجتمع السليم لافتا الى ان إقامة المهرجان في هذه الظروف يؤكد مجددا قدرة السوريين على الاستمرار والابداع والصمود.

وتجلت سورية كأم تستبسل في الدفاع عن ابنائها في منحوتة الفنان اكسم سلوم حيث تظهر مجسم امرأة تحمل غصن زيتون وتحيط بها طيور السلام مقاومة الريح موضحا أن ملتقى النحت خلق حالة فضول لدى الزوار وجذبهم الى متابعة العمل الفني بمراحله ما قد يحرك بذرة موهبة كامنة فيهم.

واستضاف المركز الثقافي في الشيخ بدر معرض الفن التشكيلي المرافق للمهرجان والذي شارك فيه 38 رساما ونحاتا على الخشب بنحو تسعين عملا فنيا كان من ابرزها لوحة نحاسية للفنان جورج شمعون محفورة بأسلوب الرولييف تمثل الشيخ العلي إلى جانب لوحة اخرى للفنان تجسد بالتصوير الزيتي سربا من الفراشات يطير فوق آثار مدمرة بهمجية حيث وصف شمعون الفراشة بأنها رمز للشهيد الذي يحترق حالما يصل إلى النور.

وفي ركن مميز بلمسات انثوية انتشرت لوحات لفنانات شابات في مشاركتهن الاولى من نوعها في المهرجان حيث شاركت الفنانة نايا عبد الرحمن بلوحتها التعبيرية “حلم” بأسلوب الأكرليك موضحة أن اللوحة تعبر عن الفتاة السورية التي تختزن ايمانا هائلا بحلمها يمنحها القدرة على تحقيقه حتى في إغماضة عينيها في حين مثلت الفنانة ربا يوسف في لوحتها “محبة وخير” مشهد حب وصداقة في شارع يغسله المطر وتغمره الاضواء وجسدت زميلتها علا يوسف بيتا ريفيا يحمل ملامح من المنازل الاروادية والجبلية في آن معا.

وبجانب لوحات الفنانين محمد هدلا وصريحة شاهين وروزا شقرا وفواز حسين وتانيا نبهان وتيما خطيب ورويدة عبد الحميد التي صورت الحرف التراثية الساحلية قدم الفنان سليمان لوحة تحاكي مدينة طرطوس التي تستضيف ابناء المحافظات الاخرى الباحثين عن الأمان فيما تحدثت الفنانة ردينة سعيد عن مشاركتها بثلاث لوحات بالرسم الزيتي والأكرليك مركزة على التوعية بضرورة الحفاظ على الطبيعة.

وشاركت الفنانة سماهر دلا بلوحة زيتية مستوحاة من الأزمة في سورية تجسد أما تحاول حماية ابنها من اعتداءات التنظيمات الإرهابية والهرب به إلى مكان آمن مقابل رفض الابن التخلي عن أرضه فيما اعتبرت التشكيلية ماسة سعيد مشاركة الفنانين بالمعارض دافعا لتقديم المزيد والتميز.

ولم تغب المشاركات المميزة لنحاتي الخشب عن المهرجان فكانت أعمال الفنانين حسن عزيز محمد ومحمد حمود وعلي معلا الذي جسد بالنحت على خشب الزيتون تضحيات وانتصارات الجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب.

وأقيم بجوار المعرض التشكيلي معرض للكتاب ضم 240 عنوانا من منشورات وزارة الثقافة في أدب الكبار والأطفال والتاريخ والدراسات السياسية والفلسفية والعلمية المحلية والمترجمة حيث لفت مسؤول مبيعات المعرض ياسر اسماعيل الى اقبال الزوار على الشراء من مختلف الاعمار ولاسيما بوجود حسم 40 بالمئة من سعر المبيع الأساسي.

وكان متحف الشيخ المجاهد صالح العلي المحطة المفضلة لهواة التاريخ وقصص معارك الاستقلال بما يتضمنه من لوحات تتضمن توثيقا لسيرة المجاهد واثاره الادبية وخرائط عن مواقع الثوار وأسمائهم وصورهم وحكاياتهم ومقتنيات ومجسمات تظهر ملامح الحياة في ريف طرطوس آنذاك.

أما أجنحة الحرفيين في سوق المهن اليدوية نجد فيها أسماء لمعت في دورات المهرجان السابقة كالفنانات نظمية اسماعيل وروجيه وجمانة ابراهيم وفتاة منصور في اعمال لافتة تنوعت بين الحفر على الفضة واستخدام شرانق دودة الحرير والقش وغيرها من التوالف البيئية وتميز ركن الفنانة ثناء سليمان بمشغولات الفخار والخيزران وصنع الإكسسوارات من بذور الزيتون الملونة المطلية باللكر الى جانب قشر العنب حيث اشارت الى اهمية هذا الحدث في تثبيت اقدام المشاركين في العمل الحرفي الذي يلزمه الترويج اللائق بجهد الفنان لنشر الجمال.

وفي مشاركته الثانية ايضا عرض الفنان ذو الاعوام الاثني عشر ابراهيم ابراهيم خوذة جندي مصنوعة من سنابل القمح واعمالا اخرى من الخيش وبذور النباتات وقشورها موضحا ان التشكيل من هذه العناصر يلزمه حبا وصبرا على تفاصيل العمل الدقيقة وجولة في الطبيعة لاختيار العناصر الأمثل للتعبير عن الفكرة.

أما الحرفية فيكتوريا عروس فشاركت بأعمال من توالف البيئة بأسلوب الديكوباج الذي عرفت عنه بأنه فن قص ولزق الورق على الأسطح المختلفة بطريقة فنية يمكن أن تنتج أشكالا فنية رائعة في عالم الديكور.

وبينت الحرفية والفنانة التشكيلية فاتن احمد المشاركة بالرسم على الفخار وتزيينه بخامات طبيعية متنوعة اهمية استثمار الحس الفني لدى المرأة الموهوبة لقدرتها على الإبداع فيما دعت الفنانة بسيطة ديوب التي تحترف نسج الصوف الى دعم هذه الحرفة الموروثة والتي لا غنى عنها وخصوصا مع قلة تكلفة صناعتها مقارنة بالألبسة الجاهزة.

وعلى منبر ساحة الضريح تنوعت مقاربات شعراء المهرجان لذكرى الجلاء بين استعادة بطولات صانعيه وربطها بملاحم اليوم لأن الدرب هو نفسه كما اكد الشاعر مصطفى صمودي المشارك من محافظة حماة مشيرا الى دور الشعر في مواجهة الارهاب الفكري في حين لفت الشاعر منير خلف من الحسكة إلى أهمية التقاء الشعراء السوريين على منبر واحد والتعبير عن حب سورية والايمان بقيامتها فيما أشار الشاعر محمود حبيب الى ان اقامة مهرجان دون انقطاع دليل صمود واصرار على الحياة ووفاء لقيم الجلاء.

واختتم المهرجان بعرض مسرحية “صرخة جدي” لفرقة المسرح القومي بطرطوس والتي رأى مخرجها الفنان علي اسماعيل ملاءمتها لمهرجان الشيخ المجاهد كونها مستمدة من سيرته ورفاقه عبر خطوط درامية تشمل الابن الذي تبناه صالح العلي وانخرط في الثورة ضد الاحتلال الفرنسي ليستشهد في معركة وادي ورور والجنرال الفرنسي الذي وقف مندهشا أمام شجاعة هذه الكوكبة من الأبطال إلى جانب التوثيق المسرحية بالنسبة للباس الشعبي للرجال والنساء والأهازيج الريفية خلال تلك الفترة.

من جهته رأى مدير المركز الثقافي بمدينة الشيخ بدر محمود عبيدان ان المهرجان هذا العام تميز بزخم كبير خصوصا لجهة مشاركة رجال دين من مختلف المحافظات اعطوا في خطاباتهم بعدا” وطنيا شاملا يليق بذكرى الجلاء مشيرا الى ان تفاعل الناس مع الفعاليات كان واضحا وايجابيا ولاسيما في معارض الكتب والمهن اليدوية التي كانت حافزا لإدارة المهرجان لتطويره عاما بعد عام واضافة جديد دوما.

انظر ايضاً

المشاركون بمهرجان الشيخ صالح العلي: السوريون يستمدون القوة من صانعي الجلاء

طرطوس-سانا واصل مهرجان الشيخ المجاهد صالح العلي الثامن عشر فعالياته لليوم الثاني بمدينة الشيخ بدر …

اترك تعليقاً