دمشق-سانا
“إله من طين” مجموعة من القصائد المتنوعة صادرة عن اتحاد الكتاب العرب واحتوت على قصائد متباينة بمعانيها فالشاعر إبراهيم فهد منصور حاول ألا يقف عند مدرسة معينة عبر رؤاه الاجتماعية والعاطفية المختلفة التي جاءت بنصوص شعرية غلبت عليها النزعة الإنسانية وعاطفتها.
برغم كل المحاولات التي أراد أن يتمكن منها الشاعر إلا أنه تأثر قليلا بالمذهب النزاري دون أن يفرط بمستواه الفني وأسلوبه التعبيري الذي جاء في بعض القصائد على شكل القصة الشعرية التي تحرك فيها الحدث ليؤدي إلى موضوع متوازن كما هو في قصيدة حنين الذي جاء فيها:
وأشعر أنك قربي .. وأنت بعيد .. أقول لعينيك شعرا .. ومن فرط شوقي أعيد .. وأبقى أعيد ..وأشعر أني طفلا .. تربى على ساعديك .. يعيش على عسل الياسمين بغمازتيك.
لكن قصيدة دمشق القديمة جاءت متأثرة بعاطفة الشاعر وحبه لحاراتها وأزقتها ووردها فغلبت العاطفة على الدلالة والرموز مما أعطى القصيدة شكلا انسيابيا بعيدا عن الضبابية والغموض وقريبا من الذائقة والوجدان فكانت مكونات القصيدة وألفاظها من مكونات الشام وجمالياتها وبهائها كقوله:
يوشك قلبي .. أن يتمدد في لبلاب .. أن يتمزق في أورقة ضيقة ..تتعانقي بهمس وعتاب .. يوشك عمري أن يتقوس مثل قناطر .. راح يعانقها الضوء فذاب.
وثمة قصائد في المجموعة لم تلحق بنظيراتها من حيث المستوى الفني فتراجعت قليلا بسبب التكلف الذي اشتغل عليه الشاعر فرمى بالقصيدة مرتبكة على صفحات مجموعته برغم اعتماد الشاعر على نغمة متسارعة جعلت للموسيقى مكانا بنيويا في النص كقصيدة من أجل امرأة هذه النكبة التي قال فيها:
تسترخي امرأتي كل حنين فوق الكنبة… وتطالع دفتر قلبي .. لتقص شرايين الكلمات .. وترسم فوق بياض الصفحات .. مسار فراشات حمراء .. تحط على زهر الركبة.
كما أن النصوص الشعرية بعضها انفلت من بنيته قليلا بسبب محاولة الإغراق باصطياد الدلالة الشعرية لتشكيل الصورة مما يدفع بالشكل الفني إلى الانزياح السلبي عن مكانه فتصبح الموسيقا عبئا على النص وتنسحب العاطفة مرهقة دون أن تؤدي دورا إيجابيا يقول في قصيدة غزال يركض:
هناك على سفح قلبي المريض .. ركضت بقرب غزالي الشريد .. لأسبق عمرا سريعا يشع ويخبو .. كزهرة نار بزي حديد.
ويحاول منصور أن يدخل مجال الفلسفة الإنسانية فيختلي بنفسه ويستجمع عباراته المنتشرة في متاهاته الفكرية وخياله الواسع إلا أن الاتجاه الذي ذهب إليه لم يتوافق معه كما كان يتوقع فظل نصه الذي جاء بعنوان “أطرق بابي فهل أفتح لي” بعيدا عن مبتغاه وقريبا إلى النص الشعري الخطابي المباشر كقوله يحدث أني .. والناس نيام عني … أتذكر نفسي .. أوغل فيها .. وأدور حوالي .. لأبحث عن أثر لي .. في جسدي عبثا لا أجد.
أما قصيدته “إله من طين” التي كانت عنوانا لمجموعته تجاوزت كافة نصوص المجموعة فنيا وعبرت عن وجود موهبة حقيقية واعدة ومبشرة بقطاف زاهر نظرا للبنية الفنية التي تميزت فيها القصيدة ولوجود الألق الإنساني الذي تمثل في الانفصام الشخصي الذي صوره الشاعر في القصيدة كقوله:
في جسدي جسد آخر .. يرفضني .. وأنا أبدا لا أشبهني .. والروح يعذبها الجسدان.
محمد الخضر