كشفت الإدارة الأميركية بنفسها زيف ادعاءاتها في اليوم الأول للزلزال الذي ضرب تركيا وسورية قبل ستة أيام، والذي زعمت فيها أن الحصار الاقتصادي والإجراءات القسرية على سورية لا تؤثر في الاستجابة الإنسانية الإقليمية والدولية للتخفيف من أضرار هذه الكارثة متعددة الجوانب، وتعد مراجعة الخارجية الأميركية لهذه الإجراءات وتجميد بعضها بعد خمسة أيام من الزلزال اعترافاً بتأثيرها.
لم تقم إدارة بايدن بهذه المراجعة المضللة للعالم من أجل تعزيز الاستجابة الدولية لإنقاذ العالقين تحت الأنقاض أو مساعدة الجرحى أو تأمين الغذاء والدواء والمتطلبات الضرورية لعمليات الإنقاذ، ولو كان هدفها المساعدة في تأمينها لأقدمت على هذا الإجراء في اليوم الأول للزلزال وليس بعد خمسة أيام.
وكذلك الأمر، لو كانت هذه الإدارة مكترثة بعواقب الزلزال الكارثية لما أقدمت على هذا الإجراء القاصر، والذي لا يغير من واقع تأثير الحصار الاقتصادي والمالي على سورية، بل لعملت على إنهاء هذا الحصار غير القانوني والذي يستهدف في الأساس الشعب السوري.
وأيضاً لو كانت الولايات المتحدة تهتم بالاستجابة الإنسانية لأوقفت على الفور نهبها وسرقتها للنفط والغاز السوري، وإعادة حقول النفط والغاز إلى سيطرة الحكومة السورية لمعالجة النقص في توريد المشتقات النفطية الضرورية والأساسية بالنسبة لعمل الطواقم الطبية ورفع الأنقاض لإنقاذ أكبر عدد من المدنيين العالقين تحت الأنقاض، ومعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
نسمع الكثير من التنظير الغربي حول الأمور الإنسانية، ولكن على أرض الواقع تفتقد الدول الغربية وخاصة فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة إلى هذه الثقافة بمعناها الحقيقي، ولكن هي موجودة بشكلها التوظيفي لتحقيق المصالح الغربية العدوانية على حساب حياة الشعوب وإنقاذ ومساعدة المتضررين والمحتاجين، وهناك قائمة طويلة من الأدلة على ذلك خلال الحرب
الإرهابية على سورية، فمن جهة كانت تدعم حكومات هذه الدول التنظيمات الإرهابية بالمال والسلاح لارتكاب أبشع الجرائم بحق المدنيين، وفي الوقت نفسه كانت تكرس الجهود لتوظيف مجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان تحت ستار الحالة الإنسانية التي عملت على إيجادها عبر دعمها للإرهاب الدولي.
إن تأخر إدارة بايدن عن إجراء مراجعة للإجراءات القسرية المفروضة على سورية لم يكن بسبب عدم إدراكها بتأثيرها على الاستجابة الإنسانية المطلوبة أو نتيجة قصور في عمل الإدارة وعدم مواكبتها للأحداث الدولية، بل من أجل إيجاد ثغرات لتوظيف هذه الخطوة القاصرة والمضللة للمجتمع الدولي سياسياً فيما يتعلق بمشروعها العدواني في المنطقة، والدليل الذي لا يقبل التشكيك هو انتظارها خمسة أيام لاتخاذ مثل هذا الإجراء.
إن الضغط الإعلامي ويقين إدارة بايدن بعدم إمكانية توظيف هذه الحالة الإنسانية الناجمة عن الزلزال كانا وراء اتخاذ هذا الإجراء البعيد كل البعد عن الإنسانية، والذي لا يوفر الحد الأدنى لتسهيل عمليات الاستجابة الإنسانية بالنظر لشموله قضايا عامة وغير تفصيلية وخاصة فيما يتعلق بالمرحلة الثانية من الكارثة المرتبطة بإعادة بناء ما دمره الزلزال من بنية تحتية وأبنية سكنية ومرافق خدمية، حيث لم يطل الإجراء الأميركي كل هذه الأمور والتي تدرجها إدارة بايدن في إطار إعادة الإعمار في سورية.
من المعلوم أن الولايات المتحدة وحلفاءها يعطلون عملية إعادة الإعمار في سورية من خلال الإجراءات الاقتصادية والمالية القسرية التي تم فرضها على الشركات التي تريد المساهمة في هذه العملية بحجة عدم بدء العملية السياسية في سورية والتي تسعى من خلالها واشنطن إلى فرض إرادتها وإملاءاتها على الشعب السوري وتحقيق ما عجزت عن إنجازه بالإرهاب من خلال الضغوط السياسية والحصار الاقتصادي.
لا يعول السوريون على المساعدات الإنسانية الغربية، ولكن على المجتمع الدولي أن يمارس الضغوط على الولايات المتحدة والدول الغربية وكسر الحصار الاقتصادي على سورية، وبذلك تفقد الإجراءات القسرية الغربية معناها وجوهرها وفاعليتها، وهو ما ينتظره الشعب السوري في هذه الكارثة.