في السياسة الخارجية الأميركية كل شيء مباح بحيث نرى المتناقضات في الموقف الواحد، وفي اليوم الواحد وأيضا نرى التبدلات من يوم لآخر.
آخر المباحات في السياسة الأميركية هو التمييز بين تنظيمي «داعش» و«النصرة» الإرهابيين المدرجين في لوائح الإرهاب الأممية في تعليقها على تسهيل «جبهة النصــــــرة» لـ«داعش» الدخول إلى مخيم اليرموك، وقد يأتي يوم وتخرج علينا الناطقة باسم الخارجية الأميركية للقول إن تنظيم «النصرة» أقل دموية من «داعش»، ويمكن إدراجه في قائمة «المعارضة المعتدلة».
لم يعد سرا استخدام الولايات المتحدة للتنظيمات الإرهابية لتحقيق المصالح الأميركية، وكان ذلك واضحا وجليا في العراق وسورية إذ كشفت تقارير عديدة إن ما تم تقديمه من أسلحة متطورة وحديثة إلى ما تسميه واشنطن «المعارضة المسلحة» وصل في نهاية المطاف إلى حضن تنظيمي «داعش» و«النصرة» الإرهابيين.
إن استعجال إدانة الخارجية الأميركية دخول مجموعات من «داعش» إلى مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين قرب دمشق لا يمكن اعتباره موقفا ضد الإرهاب، ولو كان كذلك لقامت الخارجية الأميركية بإدانة دخول «داعش» إلى مدينة دير الزور وغيرها من المناطق السورية.
ومن هنا يمكن القول إن الموقف الأميركي هو للتملص من المسؤولية عن ذلك، وفي الوقت نفسه الاشتغال من جانب آخر على استثمار ذلك داخل المخيم وخارجه، والصراع الدائر بين «داعش» و«النصرة» من جهة والتنظيمات الإرهابية الأخرى من جهة ثانية يبين أهداف القوى التي تقف وراء التنظيمين وعلى رأسها السعودية وتركيا وقطر.
ويبقى الموقف الأميركي «المدين والمعبر عن القلق» من دخول «داعش» إلى اليرموك تعمية على دعم إدارة أوباما للإرهاب، وأي تغيير في الموقف يقتضي من الولايات المتحدة وفورا الضغط على الدول الإقليمية التي تدعم التنظيمات الإرهابية في سورية والعراق لوقف مدها الإرهابيين بالسلاح والمال وتسهيل مرور الإرهابيين.
إن الحديث الأميركي عن حقوق الإنسان والحرية من جهة، وفي الوقت نفسه دعم التنظيمات الإرهابية والتغطية على الدول المنغمسة في تفريخ الإرهابيين لم يعد ينطلي على أحد، وكذلك اجترار السياسة الخارجية الأميركية لمصطلحات وصيغ جرى تداولها على نطاق واسع منذ بداية الحرب على سورية.
إن النوايا السلبية للموقف الأميركي واضحة، وتمثلت بتجاهل ما تصرح به الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها منظمة التحرير لجهة استمرار الحكومة السورية بمحاولاتها لإيصال المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الذين تضعهم التنظيمات الإرهابية كدروع بشرية، والاكتفاء بالحديث عن حصار المخيم، الأمر الذي يؤكد صلة هذه التنظيمات بما تخطط له واشنطن وأدواتها لتحقيق مشروعها في سورية.
لن تستطيع إدارة أوباما التعمية على استمرارها في استثمار وتشغيل التنظيمات الإرهابية، وكذلك الأمر لن يكون بمقدورها في المستقبل القريب تلافي التداعيات الخطيرة على مصالحها وأدواتها في المنطقة، ولن يفيد موقف استباقي هنا وعدوان آخر هناك في منع انفجار البركان الإرهابي بوجه مفرخيه وداعميه ومستثمرية.
صحيفة الثورة – بقلم: أحمد ضوا