دعوة مهمة للغاية.. ولكن!-الوطن العمانية

من بين الملفات التي فرضت ذاتها بقوة على طاولة اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في دورته الـ143 بمقر جامعة الدول العربية أمس، كان ملف الإرهاب الذي بدا من خلال الكلمات الافتتاحية التي أُلقيت أنه يشكل هاجسًا مرعبا ومقلقا لأعضاء الجامعة العتيدة، وأن هناك حاجة ماسة وملحة للنظر في إنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة تكون متعددة الوظائف والمهام في مجالات التدخل السريع ومكافحة الإرهاب وأنشطة المنظمات الإرهابية والمساعدة في عمليات حفظ السلام، وأن عددا من الدول العربية “في حاجة ماسة لمثل هذه الآلية لمساعدة الحكومات على صيانة الأمن والاستقرار وإعادة بناء القدرات والمؤسسات الأمنية”، خاصة وأن المسؤولية الجماعية التي تحملها الدول والشعوب إزاء ما يواجهها من تحديات خطيرة تتطلب أن تأخذ بأيدي الجميع مسؤولية صيانة الأمن القومي العربي.

وبعيدا عن محاولة الإبحار في أعماق تفاصيل هذه الدعوة العربية ومقاصد مطلقيها ومتبنيها ونياتهم ورؤيتهم للطرق الصحيحة في معالجة الواقع العربي الملغم بألغام الإرهاب والفوضى والفتن الطائفية والمذهبية والتآمر، وبعيدا عن القول بأن جامعة الدول العربية كانت سببا مباشرا في هذا الواقع الكارثي للمنطقة، فإن هذه الدعوة ـ رغم أهميتها البالغة ـ تأتي في ظل ضبابية طاغية ومانعة لوضوح صورة المشهد جراء الاصطفافات لبعض أعضاء جامعة الدول العربية وتخندقهم في خنادق صانعة للإرهاب وداعمة ومدافعة عن الإرهاب وجماعاته، وغلبة الطائفية والمذهبية على خطابهم السياسي، فضلا عن تعمد واضح لجهة عدم إعطاء الإرهاب تعريفه الخاص به، ما يضع علامات استفهام كبيرة وكثيرة، ويزيدها حيرة وأهمية للبحث عن إجابة شافية لها، وما إذا كانت المسميات الطاغية على المشهد السياسي والأمني في المنطقة للجماعات المسلحة هي صاحبة الشرعية، وأن الحكومات والجيوش هي منزوعة الشرعية؛ وذلك بحكم ما يفرزه المشهد ذاته من صورتين لا ثالث لهما: جماعات تحمل السلاح ضد الدولة وشعبها وحكومتها المنتخبة والشرعية، وضد مؤسساتها العسكرية والأمنية، وتدمر البنية التحتية فيها، تتلقى من الخارج جميع أشكال الدعم السياسي والعسكري والاستخباراتي. ودولة بشعبها وبحكومتها ومؤسساتها العسكرية والأمنية تدفع هذا العدوان والإرهاب، وتحاك ضدها جميع ألوان التآمر والتشويه والتحريض والتفتيت والتقسيم وتهجير شعبها وإثارة الفتن بين مختلف مكونات نسيجه الاجتماعي. وما يزيد الأمر إشكالًا وحيرةً هو إصرار هؤلاء الأعضاء المتخندقين في خنادق الأعداء الداعمين للإرهاب ضد المنطقة على نزع الشرعية من الحكومات الشرعية المنتخبة لصالح معارضات مسلحة تبنت الإرهاب خيارًا وسلوكًا ونهجًا.

على أن الأسئلة الأكبر والأصعب التي تتطلب من جامعة الدول العربية إجابة صريحة وموضوعية وعقلانية هي: من السبب الأول والمباشر في ضرب الأمن القومي العربي وبنيته والذي بدأ من العراق ثم ليبيا ويجري ضربه في سورية ومصر واليمن وغيرها؟ ولماذا يتم تعطيل الدفاع العربي المشترك ومن يقف وراءه؟ وإذا ما شكلت جامعة الدول العربية قوة عسكرية عربية للتصدي لـ”الإرهاب” ـ كما تقول ـ فأي “إرهاب” ستتصدى له؟ هل إرهاب “داعش” الذي يمول بأموال عربية ويباع له النفط الذي يسرقه من العراق وسورية، والذي تلقي له طائرات التحالف الدولي الأسلحة والمؤن الغذائية والدوائية وتقصف قوات الحشد الشعبي والدفاع الوطني في العراق وسورية التي تقاتل هذا التنظيم؟ أم إرهاب “النصرة” التي يجري ستر إرهابها بلباس “المعارضة المعتدلة”؟ أم ستكون هذه القوة العربية موجهة ضد جيوش عربية هي في قائمة الاستهداف الصهيو ـ غربي؟ ثم أليس الأولى بجامعة الدول العربية أن يكف أعضاء بها عن دعم الجماعات المسلحة بالمال والسلاح قبل تشكيل قوة عسكرية؟ ألا يعني هذا تناقضا صارخا بين قوة عسكرية عربية تحارب الإرهاب في الوقت الذي ترعى فيه دول عربية مُشكِّلة لهذه القوة إرهاب الجماعات المسلحة؟

رأي الوطن