الشريط الإخباري

روسيا ودور الشركاء في كسر العزلة وتحقيق التوازن العالمي

دمشق-سانا

إذا تساءلنا كيف استطاعت روسيا كسر العزلة التي حاولت أوروبا فرضها بأشكال عدة على خلفية العملية العسكرية الخاصة بحماية دونباس نجد الإجابة فيما يتحدث به المسؤلون الروس بثقة عالية عن شركاء يصفونهم بـ”الكثر”؛ فمن هم هؤلاء الشركاء ولماذا تتجه روسيا إليهم؛ روسيا التي اعتمدت على سياسة خارجية ذات عمق استراتيجي يهدف لخلق شركاء يتفقون معها على مبدأ المصالح القومية والاقتصادية والأمنية المتبادلة استطاعت أن تثبت مع شركائها أن التوازن العالمي مرهون بتعددية الأقطاب لا بهيمنة القطب الواحد.

وهذا ما جدده أول أمس وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بتأكيده: “لدينا شركاء كثر في كل أنحاء العالم كالصين والهند ودول الشرق الأوسط وإفريقيا، وحقبة الغرب الذي يفرض إملاءاته ويتجاهل الحقوق السيادية للدول الأخرى انتهت”.

الشراكات الاقتصادية مع دول العالم اتخذت أولوية كبرى في سياسة روسيا الخارجية من بينها دول آسيا حيث اتجهت روسيا إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم وهي الصين لتبني معها شراكة استراتيجية هدفها تحقيق التوازن تجاه “التأثير الخبيث” للولايات المتحدة في العالم حسب ما أكده الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والصيني شي جين بينغ أوائل شباط الماضي خلال زيارة بوتين لبكين.

ويمثل إعلان الشراكة الصينية الروسية خلال القمة التي عقدت في نفس الزيارة بداية حقبة جديدة في العلاقات الدولية يتفق فيها الطرفان سياسياً على ضرورة وضع حد للهيمنة الأمريكية على النظام الدولي والتمسك بمبدأ “أمن واحد لا يتجزأ” ومعارضة توسع الناتو الذي يتولى سياسة الحرب الباردة هذا بالتزامن مع اتفاق اقتصادي لخلق شراكة واسعة في مجالي الغاز والنفط قدرت بمئات مليارات الدولارات لتوريد 100 مليون طن من النفط الخام عبر كازاخستان على مدار عشر سنوات و10 مليارات متر مكعب سنوياً بإجمالي 48 مليار متر مكعب من الإمدادات عبر خط أنابيب غاز سيبيريا الذي تم إطلاقه في عام 2019.

أيضا اتجهت روسيا نحو صاحبة الاقتصاد العملاق في آسيا “الهند” وعملت على تعزيز العلاقات معها، وخلال زيارة الرئيس بوتين إلى نيودلهي في كانون الأول من العام الماضي ولقائه مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بدا واضحاً أن  التعاون التقني الدفاعي يمثل  حجر أساس الشراكة الاستراتيجية بين البلدين باعتبار أن السلام والاستقرار والتنمية المتبادلة تتطلب عملاً مشتركاً مكثفاً بين البلدين في القطاعات الأكثر حداثة وتطوراً من التكنولوجيات الدفاعية.

ومع التوسع الاقتصادي الروسي عالمياً عملت موسكو على ترسيخ علاقاتها مع دول منطقة الشرق الأوسط ذات الأهمية الاستراتيجية الكبرى من خلال علاقات قوية ومتينة مع هذه الدول انطلاقاً من المصالح المشتركة المتبادلة ومنها سورية التي تربطها بروسيا علاقات تاريخية متجذرة  وتعاون ثنائي ولا سيما في المشروعات الاقتصادية والعسكرية.

وارتقت العلاقات الاقتصادية والسياسية المميزة بين سورية وروسيا إلى مستوى علاقات تحالف استراتيجي بعد بدء الحرب الإرهابية على سورية عام 2011 حيث وقفت روسيا إلى جانب سورية وقدمت لها مختلف أشكال الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي.

ومع انطلاق العملية العسكرية الخاصة التي تقوم بها روسيا الاتحادية لحماية السكان المدنيين في منطقة دونباس لم تتوان سورية في تأكيد موقفها الداعم لروسيا باعتبار ما يحصل هو تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم الذي فقده بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وذلك في مواجهة توسع الناتو بعد أن أصبح خطراً شاملاً وتحول إلى أداة لتحقيق السياسات غير المسؤولة للدول الغربية لضرب الاستقرار في العالم.

وفي اتصال هاتفي أجراه السيد الرئيس بشار الأسد مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليوم الثاني لبدء العملية أكد الرئيس الأسد أن الدول الغربية تتحمل مسؤولية الفوضى والدماء نتيجة سياساتها التي تهدف للسيطرة على الشعوب حيث أن هذه الدول تستخدم أساليبها القذرة لدعم الإرهابيين في سورية والنازيين في أوكرانيا وفي أماكن مختلفة من العالم.

القارة السوداء ايضا لم تكن خارج دائرة اهتمام روسيا الجيوسياسية فسعت إلى توسيع العلاقات مع الدول الإفريقية وترجمت ذلك في القمة الروسية الإفريقية الأخيرة عام 2019 التي شكلت منعطفاً مهماً جديداً نحو إعادة ترسيخ العلاقات الروسية مع إفريقيا وتطوير التعاون الروسي الإفريقي سياسياً وأمنياً واقتصادياً وعلمياً وثقافياً حيث بلغ عدد الاتفاقيات والمذكرات والعقود التي تم توقيعها في القمة أكثر من 50 وثيقة وبلغ إجمالي الحجم المالي للوثائق نحو 800 مليار روبل أي نحو 12.5 مليار دولار لتكون اليوم روسيا مؤثرة في أهم دول القارة الإفريقية من البحر الأحمر شرقاً إلى البحر الأبيض المتوسط شمالاً حتى المحيط الأطلسي غرباً بحكم ما حظيت به من فرص استثمارية اقتصادية في مجالات الطاقة والمعادن وغيرها.

أمريكا اللاتينية أيضاً كانت وجهة في بوصلة روسيا الاستراتيجية لتحقيق الشراكات الاقتصادية الروسية حيث سعت موسكو إلى تعزيز علاقاتها سياسياً وعسكرياً واقتصادياً مع تلك الدول بسبب الأهمية الجيواستراتيجية لمنطقة أمريكا اللاتينية.

وتشير الأرقام إلى أنه خلال الفترة من عام 2006 إلى 2016 زادت تجارة روسيا مع أمريكا اللاتينية بنسبة 44 بالمئة لتصل إلى 12 مليار دولار كما تركزت الاستثمارات الروسية في أمريكا اللاتينية بشكل واضح في قطاعي النفط والغاز.

محمد الجاسم