في قمة الأرض التي عُقدت في جنوب إفريقيا، كان المشروع الأردني بربط البحرين: الميت والأحمر حاضراً، عبر حفر قناة تربط بينهما بذريعة إنقاذ البحر الميت من الزوال والاضمحلال كإرث عالمي تاريخي، وكان هذا المشروع قد ظهر للعلن في منتدى «دافوس» الذي أقيم في الأردن بعنوان «إنقاذ البحر الميت»، وكان من المزمع تسميته «قناة السلام» في حال تمّ تنفيذه بين الأردن و«إسرائيل»
والغريب في هذا المشروع الاستراتيجي الصهيوني أن الأردن هو مَنْ تولى طرحه نيابةً عن «إسرائيل» من دون أن يكون لأيّ من دول الجوار أيّ رأي في هذا المشروع الموصوف حالياً بأنه تعاون تاريخي بين الأردن و«إسرائيل».. وإذا كان توقيع ذلك الاتفاق الذي تمّ الخميس الماضي بين الأردن و«إسرائيل»، وبحضور سفيري أمريكا فيهما مع ممثلي البنك الدولي، قد وصف «بالتاريخي» فإنما يؤكد ذلك عمق ارتهان القرار الأردني للصهيونية العالمية، ولاسيما أن الاتفاق بمجمله لايعدو عن كونه تحقيقاً لرؤية «بنيامين هرتزل» المؤسّس الذي تنبأ في نهاية القرن التاسع عشر بالحاجة الماسة الى إحياء البحر الميت، حسبما جاء على لسان وزير الطاقة والمياه الإسرائيلي موقّع الاتفاق مع الجانب الأردني، على الرغم من تسويغ الأردن لهذا المشروع بأنه أحد المشروعات المائية الاستراتيجية الحيوية له، مع ما اتضح من أن هذا المشروع هو تحقيق للحلم الصهيوني بعدة جبهات تتوافق مع الكيان الإسرائيلي، ودوره، وأجندته، وأهدافه في المنطقة التي برزت فيما تقوم به من عملٍ على مشروع التقسيم الجغرافي الطائفي والديني، إضافة للتقسيم المائي.
ورغم معرفة الأردن بأن هذا المشروع، الذي اعترضت عليه دول الجوار في قمة الأرض، يتعارض مع الأمن القومي العربي، ويؤثر في المنطقة كاملةً، لكنه، بعد أن كشف القناع الذي استتر خلفه طويلاً، مضى في الإيغال في إعطاء «إسرائيل» رخصة البقاء والاستيطان والتحكم حتى بالممرات المائية التي طالما حلم الغرب، ومازال، بها… ولاسيما أن ما يخاض اليوم من حرب مسعورة على دول المقاومة وخطّها ما هو في الحقيقة إلا ذلك الخيط الذي بدأت تخيط به القوى الاستعمارية نسيج مؤامرتها على الأرض والمقدّرات، ورغم معرفة الأردن كذلك بأن مخطّطي الاستراتيجيات الصهيونية في المنطقة قد أكدوا، هم أنفسهم، أهمية الربط بين البحرين الميت والأحمر، تلك الفكرة المطروقة منذ عام 1850، بعد أن طرحت من البريطانيين كمشروع منافس للفرنسيين في قناة السويس، من ثم انتقلت الفكرة الى «هرتزل» عبر أحد الضباط البريطانيين.
ومَنْ يتوقف قليلاً عند خطورة تلك الخطوة أو الاتفاقية القديمة – الحديثة المعلنة يدرك أنها تكمن في أنها إحدى أهمّ النقاط في خط الدفاع عن «إسرائيل»، كما يظهر مخطِّطو الاستراتيجيات الإسرائيلية، ومنهم «شيحومي ناحال» الذي طالب عبر وثيقة استراتيجية إرغام الأردن على توقيع وثيقة إذعان للإسرائيليين للسيطرة على هذه المنطقة، ما يتيح لـ«إسرائيل» التحكّم بأهمّ طرق التجارة العالمية مع ما يحمل ذلك من سيطرة على باب المندب، وتالياً، التدخّل العسكري في المنطقة بين آسيا وإفريقيا كاملةً والتحكّم بها.
أما لماذا الآن؟ فالجواب يأتي سريعاً من خلال دور الأردن المرتهن لأمريكا و«إسرائيل» اللتين تمسكان بخيوط قراره، ويبرز فيما تخوضه سورية حالياً من حرب كونية على الإرهاب العالمي الذي يعدّ الاردن حلقةً من حلقات تغذيته وتدريبه، وطرفاً من أطراف المؤامرة فيه، وفيما بدأت تظهره القوى الاستعمارية العالمية من خرائط سياسية جديدة مرسومة للمنطقة… غير أن العرّاب الأردني يظنّ أنه في مأمن من نيرانها… غير مدركٍ أن ما تسمى قناة «السلام»، ستصبح قناة النار الملتهبة التي ستحرق مَنْ أشعلها في المنطقة!!
بقلم: رغداء مارديني