دمشق-سانا
يعتمد التشكيلي جبران هداية الأجواء السحرية في لوحته التي تلعب المرأة فيها دور البطولة فتمتزج الأنوثة المفعمة بالحياة مع هالة من الضوء الخاص بأسلوب واقعي تعبيرى خاص يوحي بالتأمل والسلام بعيدا عن البهرجة المجانية في الخطوط واللون فيغدو التكوين متالفا منسجما مع محيطه.
يأخذ التأمل عند هداية حيزا كبيرا من عمله الفني الذي كان رفيقه منذ كان في الخامسة من عمره حين كان يتأمل “أضواء لمبة الغاز وهي تتساقط على السجادة الشعبية خالقة أجواء سحرية جميلة” وهو اليوم حين يرسم يتأمل باحثا عن مبرر لكل ضربة ريشة على سطح اللوحة وعندما لا يجد ما يبحث عنه يتوقف عن الرسم لحين عودة البحث.
وعن تواجد المرأة بكثرة فى لوحاته وعن عمله الفني يقول هداية في حديث لـ “سانا الثقافية”.. “إن المرأة تحتل مساحة كبيرة من أعمالي لأنني أجد فيها الوطن والأم والحبيبة والزوجة والابنة فهي ينبوع الحياة”.
وحول أثر الأزمة على عمله الفني يوضح هداية.. أن الأزمة أثرت “تأثيرا بالغا” عليه في كل الأصعدة بما فيها عمله الفني حيث توقف عن الرسم ولم يتوقف عن التأمل الموجع لما يحدث لذلك جاءت الأعمال متأخرة نسبيا واختار لها موضوعا بعنوان “بانتظار الصباح” حيث كانت البطلة فيه امرأة متعاطفة ومتألمة غير مستسلمة تترقب بحذر ما يحدث ومتفائلة بظهور الصباح.
ويتابع.. “إن واقع الفن التشكيلي السوري بعد مرور أكثر من أربع سنوات من الأزمة تأثر تأثرا كبيرا فقسم من الفنانين اضطر للمغادرة إلى الدول المجاورة أو الأوروبية لمحاولة إيجاد فرص عمل تساعدهم على إعالة أسرهم أمام هذه الظروف الصعبة وقسم أصر على البقاء رغم الظروف الصعبة لذلك من الطبيعى أن نرى تراجعا واضحا بالفعاليات التشكيلية”.
ويشير هداية إلى أن توقف نشاط أغلب الصالات سواء الرسمية أو الخاصة خلال السنوات الماضية جاء نتيجة الأوضاع التي تعيشها البلاد إضافة إلى توقف قسم كبير من الفنانين عن الانتاج نتيجة الأزمة.
ويرى هداية أن المؤسسة الثقافية الرسمية إلى جانب بعض المؤسسات الخاصة بذلت جهودا كبيرة لتستمر الحركة التشكيلية في نشاطها الفني دون توقف ويقول.. لم يتوقف معرضا الربيع والخريف اللذان يقامان سنويا وهذا ينطبق على بعض المحافظات كمعرض الربيع في حلب أما الصالات الخاصة فكان نشاطها محدودا وبعضها توقف تماما.
ويوضح أن “الغربة المؤقتة لبعض التشكيليين السوريين في الخارج ساعدت على التعريف بالفن السوري” إلى جانب نشاط بعض الصالات الخاصة التي نقلت نشاطها للخارج فأخذت بإقامة المعارض للفنانين السوريين وتنظيم الفعاليات للتعريف ولتسويق أعمال الفن التشكيلي السوري.
وعن هوية الفن التشكيلي السوري يقول هداية.. حاول الفنانون الرواد منذ البداية الوصول إلى هوية سورية في مجال الفن التشكيلى فمنهم من استمد من التراث السوري القديم في مجال النحت والرسومات الجدارية وأعمال الفسيفساء ومنهم من اعتمد الحرف العربي كمفردة في تشكيل اللوحة الفنية مبينا أن هذه المحاولات هي بداية مهمة للحصول على هوية سورية خاصة بنا وهنا يأتى دور مؤسسات الدولة ووزارة الثقافة في احتضان هذه التجارب وتشجيعها واقتناء هذه الأعمال لأن الفنان في نهاية
المطاف وسيلة مهمة للتعريف بتاريخه وحضارته.
وحول توجه بعض التشكيليين نحو الحداثة وما بعدها يؤكد التشكيلي ابن مدينة حلب أن التنوع في المدارس الفنية والاختلاف في الرأي بدءا من المدارس التقليدية وصولا إلى الحداثة وما بعدها يشكل المناخ الصحي للعمل الفنى موضحا أن الإبداع في العمل الفني مصدره الواقع فبدونه “لا نملك خيالا ولا حلما فالتعرف على الواقع ضروري وتجاوزه أيضا ضروري ومحافظتنا على هويتنا تنطلق من معرفتنا لواقعنا وتاريخنا وحضارتنا وتراثنا ثم الانطلاق إلى حيث نشاء”.
ويقول هداية.. إن مشروعي الفني حاليا ومشروع أي فنان سوري هو ردة فعلنا على ما يحدث في بلدنا الحبيب وهذا يتطلب تنوعا في الرؤى بين فنان وآخر وهو مناخ صحى للعمل الفنى مبينا أنه يعمل اليوم على مشروع “بانتظار الصباح” مكرسا الإنسان كقيمة أساسية لعمله الفني.
ويتابع.. لقد علمتنى الطبيعة أن أتعلم منها الخط واكتشف أسرار اللون وأن أرسم باستمرار دون توقف فالعمل المستمر يكشف كثيرا من المعارف التي يحتاجها الفنان في تنفيذ عمله الفني لافتا إلى أنه يقدم تجربته الفنية ويمكن لمن يريد أن يأخذ بها ويستفيد منها دون الوقوع في فخ التقليد.
ويختم هداية حديثه بالقول.. إن الشعب السوري الأصيل الذي استطاع أن يمتص تأثير الأزمة وظل متمسكا بأصالته ومبادئه لايقدم التنازلات لأي كان قادر على النهوض وبقوة ليقدم أعمالا فنية مهمة تليق بأصالة تاريخه وحضارته.
والفنان جبران هداية من مواليد رأس العين عام 1946 وخريج كلية الفنون الجميلة بدمشق قسم التصوير الزيتى بدرجة امتياز شرف عام 1979 ودرس فى مركز الفنون التشكيلية وأكاديمية ساربان بحلب وعمل مدرسا لمادة التصوير في معهد إعداد المدرسين بحلب ومتخصص في رسم الأيقونات وصاحب ومدير صالة آكاد للفنون الجميلة ما بين عامي 1982 و1988 وعضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين وله العديد من المعارض الفردية والجماعية داخل سورية وخارجها.
محمد سمير طحان