الـدرس الإيـراني

إحدى المفارقات التي يمكنها، إلى حد بعيد، تفسير سياسة العداء التي ينتهجها النظام الرجعي العربي ضد إيران، تكمن في العلاقة الجيدة التي كانت تربطه بنظام الشاه الذي أسقطته الثورة الإسلامية، والذي كان، مع الكيان الصهيوني، حجر الزاوية في استراتيجية الهيمنة الأمريكية على المنطقة.

يعني ذلك، ببساطة، أن إيران تحولت إلى العدو الأول للرجعية العربية، ما أن أخرجتها الثورة من الفلك الأمريكي الإسرائيلي الذي كانت تدور فيه، ورفعت في عاصمتها علم فلسطين.

كانت الثورة وقتها في بدايتها، ولم يكن الطموح النووي الإيراني قد ظهر بعد، عندما موّلت الرجعية العربية، بتخطيط من واشنطن، الحرب الظالمة التي شُنت على إيران، واستنزفت قواها وإمكانياتها خلال ثماني سنوات… ولم تكن حجة الخطر الإقليمي الإيراني، وتصدير الثورة التي سيقت لتبرير الحرب، سوى غطاء سياسي مفتعل، لإخفاء السبب الحقيقي، وهو ضرب الثورة، التي أعلنت عن هويتها المناهضة للامبريالية والصهيونية، والانحياز لقضية فلسطين، في المهد، وقبل أن ينمو ويشتد عودها فيصعب كسره.

لكن الثورة استطاعت أن تصمد في وجه التحديات، وأن تتجاوز المحن. بل استطاعت، في ظل الحصار والعقوبات الغربية الجائرة أن تبني ركائز القوة العسكرية والاقتصادية، ولاسيما التكنولوجيا النووية، في واحدة من أنجح تجارب الاعتماد على الذات، واستثمار القدرات الوطنية التي عرفها العصر. وها هي إيران اليوم قاب قوسين أو أدنى من إنجاز اتفاق نووي تاريخي مع الغرب ينهي عقوباته الظالمة عليها، ويعترف بحقوقها النووية، ودورها الإقليمي. اتفاق ما كان ليُطرح بحثُه أصلاً لولا قوة الصمود الإيراني، واستنفاد أمريكا وحلفائها كل وسائل الضغط على طهران دون جدوى، مما اضطرهم، في النهاية إلى سلوك طريق التسوية. وتلك هي الحقيقة المرّة التي يرفض الكيان الصهيوني والرجعية العربية الاعتراف بها، والتي تفسر حملة التحريض الجنوني الصهيوني والرجعي ضد إيران والاتفاق النووي…

في ذكراها السادسة والثلاثين، تؤكد الثورة الإيرانية أن إرادة الشعوب لا تُقهر، وأن امتلاك عوامل القوة والتقدم هو وحده ما يفرض على الآخرين احترام الدول والاعتراف بحقوقها.

وسواءً تم الاتفاق النووي معها أم لم يتم، فإن إيران هي اليوم، باعتراف الجميع، الرقم الإقليمي الأصعب، والقوة الدولية الناهضة التي يُشار إليها بالبنان.

بقلم: محمد كنايسي