اللاذقية-سانا
تتغاير مواقف الشباب وسلوكياتهم في مواجهة الأزمات الطارئة فمنهم من يمتلك القدرة على التكيف السريع وإيجاد انماط مستجدة للتأقلم مع أي اختلاف يعتري محيطه الحياتي ومنهم من تتداعى حصونه النفسية فيسقط في هاوية الاحباط والخيبة محملا الظروف الجديدة مسؤولية فشله وتعثر مسيرته الحياتية وبين هذا وذاك تدور عجلة الحياة لتحمل أحدهم نحو مستقبل مستقر وتخلف آخر يتخبط في خيبات متلاحقة.
ويرى اختصاصيو علم النفس أن الشباب هم الأكثر تأثرا بالمحن والأزمات القاسية التي قد تلم بالفرد أو بالمجتمع على حد سواء نظرا لأن الشباب هم قلب المجتمع ومحركه الحيوي ورغم ذلك تتباين ردود افعال هذه الشريحة بين ما هو إيجابي وما هو سلبي تبعا لعوامل متعددة أهمها مستوى النضج العقلي والجسمي والانفعالي للشاب إلى جانب ضغط الحاجات والأعباء المترتبة عليه وصولا إلى كم الخبرات والقدرات المتراكمة لدى كل من أفراد هذه الشريحة الواسعة.
وفي هذا الجانب أكد الحقوقي الشاب “فراس صبوح” أنه رغم تداعيات الأزمة على الوضع الاقتصادي في البلد إلا أن ذلك لن يدفعه إلى البحث عن عمل في بلد آخر لأن مجرد بقائه في وطنه في هذه الظروف هو فعل مقاومة مؤكدا أنه يتوجب على الإنسان السوري أن يعيد ترتيب أولوياته وخياراته ليحصل على فرصة مناسبة وأن اضطر لتخفيض سقف توقعاته وآماله في هذه المرحلة.
وقال.. “عندما أعدت فرز خياراتي قررت أن التحق بالخدمة العسكرية لتأدية واجبي الوطني المقدس فهذا هو دوري الأهم في هذه المرحلة أما بقية الأمور فيمكن تأجيلها إلى أن يتعافى الوطن مجددا وعندها سيكون لدي مروحة من الاختيارات المهنية”.
وأضاف.. إن من الضروري اليوم أن تنهض الجهات الأهلية والرسمية بالعديد من الدورات التدريبية وبرامج التأهيل التي تنمي مهارات الشباب وقدراتهم حتى يتسنى لكل منهم أن يكتسب خبرات جديدة تساعده على التكيف مع الواقع الحالي وإيجاد بدائل مناسبة في سوق العمل المحلية وبذلك فقط ندفع بعجلة الحياة السورية ونبرهن على عزيمة البقاء والصمود والعمل.
وأشارت “ندى ابراهيم صقر” حاصلة على درجة الماجستير في كلية التربية إلى أنها عانت من الاحباط واليأس خلال العامين الأولين من الأزمة الراهنة ما أدى إلى إنزوائها عن محيطها لأشهر قبل أن تبدأ بالانخراط تدريجيا في العديد من الأعمال التطوعية ذات الطابع الاغاثي والاجتماعي والتي وصفتها بأنها سلوك يكرس الحضور الإنساني الإيجابي ويساعد على التعاطي الفعال مع الأحداث الجارية.
وقالت.. على كل منا أن يبحث عن أجدى الطرق للتكيف مع الواقع الحالي ومن خلال تجربتي فقد أدركت أن هناك الكثير ليقوم به الشباب السوري على طريق التعاطي الفعال مع الأحداث المحيطة به كأن يضطلع بما يكرس جملة المفاهيم والقيم الإيجابية التي من شأنها أن تعمق التواصل مع الآخرين ومنها قيم المحبة و التسامح والتعاون و التشاركية بدلا من الانعزال.
من ناحيتها أشارت الباحثة النفسية “نورا سعيد” إلى أن حياة الإنسان هي مجموعة من المراحل الانتقالية تتخللها تغيرات فيزيولوجية ونفسية واجتماعية حيث تأخذ كل مرحلة أبعادها في تكوين و صقل الاشخاص فمنهم من يستطيع التأقلم معها والتكيف مع الظروف المحيطة ومنهم من تنعدم قدرته على ذلك فيدخل في متاهة واسعة يصعب الخروج منها.
وأضافت “سعيد”.. إن الشباب هم اكثر المتأثرين بالازمات لكونهم الشريحة الساعية الى تحقيق الذات وهو ما يتعثر في حال الكوارث والنكبات الأمر الذي يجعل من بعضهم أكثر عدوانية و قنوطا لذلك من الضروري التكيف مع المحيط الطبيعي والاجتماعي لتحقيق التوازن بين أحلام الشاب و حجم الامكانات المتاحة على أرض الواقع والعمل على تجاوز الصعوبات المستجدة وهو ما يختلف بين فرد وآخر إذ إن هناك عوامل أساسية تؤثر في عملية التكيف منها يعود إلى حاجات الفرد وتكوينه الجسدي والفيزيولوجي ومنها يعزا إلى خبرات حياته وقدراته العقلية ومستوى معيشته بالإضافة إلى مقدرة الشخص الخاصة على التأقلم مع الظروف المفاجئة.
وهناك الكثير من الشباب الفاقد للامل حسب الباحثة ممن ينظرون إلى الظروف الراهنة على أنها وحش انقض على مستقبلهم وعطل قدرتهم على الاستمرار ولذلك ترى أغلبهم يسعى إلى الهروب من هذا الواقع ربما عبر السفر أو من خلال التقوقع على ذاته والانعزال عن أنشطته الحياتية المعتادة بالإضافة إلى وقف السعي الفعال والتخبط النفسي في حين يمثل آخرون نماذج محفزة نظرا لقدرتهم على التكيف والتعاطي الإيجابي مع الظروف المختلفة.
من جهتها تؤكد اختصاصية الارشاد النفسي “ليندا سليمان” أن بعض الشباب ممن لا يملكون القدرة على التعامل مع الأزمات غالبا ما يعزون فشلهم في هذا الأمر إلى سوء الحظ وهو ما يعرف في علم النفس الاجتماعي بالعزو السلبي نظرا لأن الإنسان بحاجة لتفسير الأحداث التي يصادفها وتحديد أسبابها ومعرفة المسؤول عنها.
ولأن البعض ينسب اخفاقاته إلى ما يعرف بالحظ السيئ أو الحظ الجيد فإن الفرد يقف عاجزا كما ذكرت عن إيجاد سبل عمل لتخطي العقبات والتكيف مع المستجدات في الوقت الذي يتوجب على الشباب أن يعملوا على تذليل الصعوبات للتغلب على ظروفهم المحيطة عبر وضع أفكار إيجابية وتصورات مفيدة تعزز وعيهم المرتبط بمفهومي النجاح والفشل لما يمتلكه من قوة مذهلة تولد الطاقات وتخلق ظروفا مناسبة لتطوير الذات وتغيير المحيط.
وأشارت إلى أن “سبل توجيه وعي الشباب لما فيه الصالح الشخصي والعام عديدة وأهمها اتاحة وسائل الاعلام أمام هذه الشريحة للتعبير عن قضاياها ومشكلاتها و تصوراتها بالإضافة إلى تفعيل دور المنظمات والجمعيات الشبابية التي من شأنها اشراك الشباب في أنشطة ومشروعات تفجر طاقاتهم الكامنة وتوجهها نحو المسار الصحيح”.
سلوى سليمان