ميونيخ-سانا
كرست المناقشات التي سادت جلسات الدورة الحادية والخمسين لمؤتمر الأمن التي اختتمت أعمالها في مدينة ميونيخ الألمانية الخلافات والانقسامات الدائرة في العالم وسط استمرار المحاولات الأمريكية والغربية للهيمنة وتأزيم الأوضاع في مناطق النزاع والصراع عبر العالم في مقابل السعي الروسي الحثيث لتقديم حلول لهذه النزاعات التي باتت تشكل تهديدا واضحا للأمن والسلم الدوليين.
وجاء تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن الولايات المتحدة تقوم بتأزيم الاوضاع وتقويض بنية الأمن الأوروبي وتصعيد النزاع الأوكراني ليوضح الهيمنة الأمريكية الغربية والتي لاتتوانى عن القيام باي محاولات للتأزيم السائدة في العالم في ظل توالي التقارير والاعترافات حول الدور الأمريكي الفاضح في تصعيد الأزمة الأوكرانية حيث أقر الرئيس باراك أوباما في مقابلة تلفزيونية مع قناة سي ان ان الأمريكية الأسبوع الماضي بأن الولايات المتحدة لعبت دور الوسيط لتغيير الحكم في أوكرانيا في شباط من العام 2014 معتبرا أن “العقوبات المفروضة على روسيا هدفها إضعاف الاقتصاد الروسي”.
وليس بعيدا عن هذا التوجه التصعيدي ما كشفته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أيضا عن أن القيادة العسكرية لحلف شمال الأطلسي ومسؤولين في الادارة الأميركية يبحثون إمكانية إرسال “أسلحة فتاكة” إلى القوات الأوكرانية التي تشن حملة عسكرية واسعة في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين شرق أوكرانيا وهو الأمر الذي أكدته فيما بعد الخارجية الأميركية بالقول أنها “لا تستبعد” تقديم أسلحة إلى السلطات الحاكمة في كييف.
وإلى جانب ذلك تبرز الخطابات والمواقف التحريضية من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية لسلطات كييف للمضي باستخدام القوة في مناطق شرق أوكرانيا واعتماد القوة العسكرية والحرب لغة وحيدة في التعاطي مع المطالب التي ينادي بها أبناء هذه المناطق.
وفي المقابل تبرز الدعوات الروسية المتواصلة لإيجاد حل سلمي للأزمة التي تشهدها أوكرانيا والتي عبر عنها كبار المسؤولين الروس وفي مقدمتهم الرئيس فلاديمير بوتين في أكثر من مناسبة من خلال التشديد على ضرورة حل هذه الأزمة بالطرق السلمية وفق اتفاق مينسك الذي وقعه طرفا النزاع بأوكرانيا في الخامس من أيلول الماضي لوقف اطلاق النار وهو الأمر الذي ترد عليه الدول الغربية بمزيد من التوتير فيما تستمر قوات كييف في خرق ذلك الاتفاق مرات كثيرة ومواصلة قصف المناطق السكنية في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك ما أدى إلى مقتل وجرح عشرات المدنيين.
وفي السياق ذاته يبرز الدور الأمريكي والغربي فيما تشهده سورية منذ نحو أربع سنوات من خلال التورط الفاضح إلى جانب ممالك ومشيخات الخليج ونظام رجب طيب اردوغان الحاكم في تركيا في دعم وتمويل التنظيمات الإرهابية التي عاثت قتلا وتخريبا وتدميرا في سورية وبدأت أعمالها وجرائمها تطال العالم بأسره كل ذلك لخدمة المخططات الغربية الرامية إلى زعزعة الأمن والاستقرار في مختلف المناطق وتهيئة الظروف المناسبة لتسيد الولايات المتحدة وهيمنتها على العالم وخدمة مصالح ربيبتها “إسرائيل”.
ويبرز هنا أيضا فيما يخص هذه القضية الموقف الروسي الثابت والقائم على رفض التدخل الخارجي في سورية وضرورة الحفاظ على وحدتها واستقلالها وسيادتها والتعاون معها لمواجهة التنظيمات الإرهابية التي باتت تمثل تهديدا للعالم بأسره.
وحتى فيما يخص الحرب التي أعلنتها الولايات المتحدة وحلفاؤها على “الإرهاب” وتشكيلها لتحالف مزعوم لمواجهة خطره فإن كل الوقائع والمعطيات باتت تؤكد أن هذه الحرب ليست سوى زوبعة إعلامية في ظل مواصلة تقديم الدعم والتمويل والتسليح لمجموعات إرهابية تحت مسمى “المعارضة المعتدلة” وهو ما ينسف كل الادعاءات والخطابات التضليلية والكاذبة التي روجت لها أمريكا بهذا الخصوص.
وبخصوص بقية القضايا المطروحة للنقاش على المستوى الدولي تحاول الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون عبر الاستمرار في فرض الضغوط والعقوبات على إيران الحصول على تنازلات كبرى فيما يخص ملفها النووي السلمي وهو ما ترفضه القيادة الإيرانية والتي تؤكد تمسكها بحقوقها فيما يخص الاستخدام السلمي للطاقة النووية.
كل هذه المواقف والحقائق تؤشر مجددا إلى ان الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين يصرون على السير في مخططاتهم وصولا إلى تحقيق أهدافهم ومشاريعهم في السيطرة والهيمنة وهو ما بات مخالفا لسيرورة وحركية السياسة الدولية التي تشهد صعودا لقوى عالمية كروسيا والصين وغيرهما من دول بريكس والدول الأخرى الساعية لتشكيل نظام عالمي قائم على التوازن واحترام القانون الدولي والشرعية الدولية.
وشارك في جلسات مؤتمر ميونيخ التي استمرت ثلاثة أيام زعماء دول ووزراء دفاع وخارجية وقادة رأي عام من مختلف أنحاء العالم حيث طغت على أعماله عدة قضايا دولية ملحة في مقدمها الحرب على الإرهاب والصراع العربي الإسرائيلي وقضايا تخص منطقة الشرق الأوسط إضافة إلى جملة من القضايا العالمية الراهنة كالأزمة الأوكرانية والملف النووي لإيراني والوضع الأمني في أفغانستان.