الشاعر صقر عليشي يمزق ثوب الأعشى في مجموعته “معنى على التل”

دمشق-سانا

لا يحتاج الشاعر صقر عليشي إلى تعريف في ميدان الشعر فهو قامة مهمة من الجيل الثاني لشعراء الحداثة وهو شاعر له نكهته وأسلوبه الخاصان ولعله شكل إضافة مهمة على الساحة الشعرية المعاصرة.

يدعو عليشي قراءه للتجول في برية مجموعته الشعرية الجديدة “معنى على التل” وبالرغم أنه يعطيهم المفاتيح ويدفع لهم الفاتورة فالبرية واسعة والضباب كثيف والغموض هو سيد الموقف فهو يبدأ هذه المجموعة قائلاً..

خذ المفتاح

وادخل في الضباب

وغل .. لكي تغل

وليس إلا

وعب من الغموض على حسابي.

عليشي في “معنى على التل” يحاول أن يبني من فضاء الكلمات عالما شعريا خاصا ومملكة يحلق فيها كنسر في سمائها فالكلمة أضيق من مساحتها وأوسع من فضاء رحب عندما يعيشها الشاعر ويحلق فيها نسرا فاردا جناحيه..

من كلمات عدة

في سطر أو سطرين

فضاء رحب أبنيه

ها هو نسري

ويحلق فيه.

لا يستطيع عليشي الخروج من ثوبه المموسق رغم محاولاته الطويلة العوم خارج بحور الخليل فللبحور الشعرية عمقها ومداها ولموسيقا الشعر العربي سحره وفتنته وعليشي يوهم قارئه أو يوهم نفسه أنه غير جده الأعشى ذلك البدوي الذي كان يرى بعين قلبه لنراه في “معنى على التل” حفيدا للأعشى ينظم على منوال.. ودع هريرة إن الركب مرتحل إلى قوله مشي السحابة لا ريث ولا عجل.

إذ يقول على نفس البحر والقافية والمفردات ولكن بعد أن يمزق ثوب القصيدة الذي خاطه على البحر البسيط وعلى قافية جده أبي بصير الأعشى أو يمسك قالب القصيدة ويضربه في الأرض لينكسر دون أ ن يشوه القطع المكسورة تاركا لعين القارئ وأذنه أن تركبها إنشاءت ولو أراد أعادها إلى أصلها قصيدة موزونة بدقة وذات قرابة وطيدة بمعلقة الأعشى فكأنه يبكي على ثوبه الممزق أو قالبه المكسور لتخرج القصيدة السابقة في مجموعة عليشي على هذا الشكل

معنى على التل

لم يبعد لأتركه

ولم يدعني إلى ظلي له أصل

قالوا

وكيف وصفت الحال بينكما

فقلت

منفصل عني ومتصل

وقد مشيت عليه

ما عرفت ونى

مشي السحابة

لا ريث ولا عجل

وعندما يتناول عليشي الدين نجده في قصيدة “المفاتيح” يرمي بكل المفاتيح أو يعلقها صورة في متحف لأنها لا نفع لها في مجتمع بلا أبواب وبلا مفاتيح ولكن الشاعر يترك من المفردات الدينية أبوابا بل ومفاتيح للدخول إلى قصيدته فيقول.. ما عملي بالمفاتيح يا عالمين أو قوله كأني أمير على العابرين أو في قصيدة يقين التي ينمنمها بالمفردات الدينية التي تغري عين القارئ وأذنيه قبل روحه..

سترى هنا الرغبات سالت

فوق صلصال المنى

أنت الذي قبس الهدى بيمينه

أما الشك فهو عالم الشاعر الذي يستمد منه فضاء أفكاره لأن اليقين هو معطى ثابت وجمود لا يتناسب مع خيال الشاعر الممتد إلى أفق لا منته حيث لا مكان لليقين في عالم الشاعر حين ينصب نفسه صاحب نبوءة شعرية ومصدر وحي وإلهام في ملكوت الشعر والجمال فيقول..

سترى هنا الأفكار تلعب بالسماء

على سجيتها

وتقضم كستنا

وترى هنا الآفاق تنشر حيرة

وترى السراب أقام خيمته

وراء المنحنى

والشاعر يؤنسن القصيدة متى شاء ويشيء العبارة ويتعامل معها أحيانا كطفلة أو كعاشقة فيخشى أن يخدش الطفولة والجمال لأن المكان الحري بها في القمة كقول..

مررت هنا في النشيد

على لغتي

مسحت بلطف خدود العبارة

ربت أعماقها النائيات

تأكدت أن جميع دروب الجمال

تؤدي إلى القمة

ومن ثم عدت إلى غيمتي

وصقر عليشي أبدع كون القصيدة بالكلمات الشعرية عندما “فلتت أسئلة من رحم الغيم ولم تلق جوابا” فخلق الشعر الذي قالت الينابيع أنه حسن وقالت الطيور وقال العشب أنه حسن..
هزت ريح أشجارا

في أقصى القلب

وثار غبار وشجن

إذاك خلقت الشعر

رآه النبع العذب

رآه العشب

وكل قال حسن.

وبالرغم من أن الشاعر أمل دنقل سبق عليشي في التقاط تلك الصورة إلا أن دنقل أخذ الجانب القاتم من الصورة ورأى أن كل عملية خلق قام بها ليست حسنة في حين أخذ عليشي الجانب المضيء منها ورأى أن كل عملية خلق شعرية هي حسنة..

يقول دنقل..

قلت فليكن الحب في الأرض لكنه لم يكن

أصبح الحب ملكا لمن يملكون الثمن

ورأى الرب ذلك غير حسن

وإذا كان دنقل وظف الصورة سياسيا واجتماعيا وكان متألقا فإن عليشي وظفها أدبيا وكان متألقا بدوره أيضا.

“معنى على التل” مجموعة غنية بالإبداع وتستحق القراءة أكثر من مرة وفي كل قراءة تجد فيها جديدا يستحق الوقوف وتلك إحدى علامات الشعر الحقيقي ولعل المكان لا يتسع لدراسة أوسع ففي المجموعة نقاط كثيرة جديرة بالعناية والبحث.

بلال أحمد

انظر ايضاً

إنتر ميلان يقسو على ليتشي برباعية في الدوري الإيطالي لكرة القدم

روما-سانا حسم إنتر ميلان لقاءه مع مضيفه ليتشي بسهولة بفوزه بأربعة أهداف دون مقابل ضمن …