اللاذقية-سانا
في منزلها الريفي المتواضع بقرية البهلولية شمال شرق مدينة اللاذقية جلست السيدة سكر إبراهيم غريب أم منال ترتدي زياً بسيطاً وتضع على رأسها منديل الحرير الذي ورثته عن والدتها بينما يداها منهمكتان في نسج أعواد القش لإكمال الطبق الذي بدأته في الصباح.
“منذ أكثر من 50 عاماً بدأت أنسج القش وأصنع منه أطباقا وقطعا فنية جميلة.. اعتدت الجلوس بجوار والدتي أراقب أناملها وهي تطوع القش لتبدع أجمل الأدوات المنزلية بدقة وإتقان وآخذ الأعواد الهشة منها وأقلدها بكل خطوة عندئذ أدركت أمي حبي واهتمامي بهذه الحرفة التراثية وباشرت بتعليمي أصولها” بهذه الكلمات وصفت أم منال في حديثها لمراسلة سانا أول طبق قش أنجزته بابتسامة تفيض توقاً وحنينا لأيام الماضي مشيرة إلى أنها لا تزال تحتفظ بأول قطعة صنعتها يداها رغم أنها لا تصلح للاستخدام “الجميم” وهو وعاء من القش يستخدم قديما لحفظ الطعام والمواد الجافة.
وأضافت السيدة الستينية إنها انقطعت عن هوايتها المفضلة جراء ظروف الحياة والهموم الأسرية والعمل الوظيفي حيث تنقلت في العديد من المهن لتعود من جديد إلى المهنة التي طالما أحبتها إلى جانب الخياطة وشغل الصوف والسنارة وهي التقشيش لتجعل منها إرثاً عائلياً تحرص على إحيائه لدى بناتها وأحفادها من خلال مصنوعات القش التي تزين جدران منزلها وتتعمد تقديم الهدايا التي تصنعها بيديها لكل من تحبهم لتكون ذكرى جميلة تحمل الكثير من الحب.
تنتظر أم منال قدوم شهر نيسان لتجمع أعواد القش البرية ثم تختار ما يناسبها وتقسمها في مجموعات ثم تتركها في الظل حتى تصبح يابسة ثم تنقع الكمية التي تحتاجها عدة ساعات بالماء يوماً بيوم لتصبح أكثر ليونة ومرونة عند ثنيها ورصها مع بعضها بواسطة المخرز مشيرة إلى أن الأمر برمته مجرد هواية تساعدها على استثمار وقتها بما هو مفيد والحفاظ على هذه المهنة التراثية من الاندثار وليس بقصد تحقيق أي مكاسب مادية.
وترى أم منال أن العمل حياة والحياة عطاء وأن كل إنسان يحب العمل قادر على منح الحياة للآخرين وإدخال الفرح إلى قلوبهم لذا فهي تنتهج هذا المبدأ في حياتها.
وفي الختام عبرت أم منال عن أملها بان تكون هناك دورات لتدريب الفتيات الراغبات بامتهان الحرف القديمة أو معرض للمهن والمنتجات التراثية وادواتها البسيطة للحفاظ على تراث الأجداد الذين سخروا الطبيعة للتكيف مع نمط حياتهم.
رشا رسلان