في خطوة غير مسبوقة، قامت الولايات المتحدة الأمريكية الأسبوع الماضي عبر سفارتها في الرباط بتهنئة الأمازيغ المغاربة بالسنة الجديدة «2965» متمنيةً لهم ولجميع الأمازيغ في العالم سنةً سعيدةً، علماً بأن المغرب يرفض وللسنة الثالثة على التوالي ترسيم الأمازيغي في دستور البلاد، والاعتراف برأس السنة الأمازيغية عيداً وطنياً رسمياً، على الرغم من سعي الأمازيغ لترسيخه منذ وقت ليس بالقليل، مع ما يحمله الاحتفاء بالسنة الأمازيغية من معاني الانتصار على فرعون مصر. لكن هذا ليس موضوعنا الآن.. ما يهمنا هو التوقف عند هذه الخطوة الأمريكية، أو لنقل هذه «البادرة» المفاجئة أو التذكر المدروس في توقيته جيداً للأمازيغ وضرورة تهنئتهم بعيدهم، الذي لا يمكن تفسيره في ضوء ما يحصل في المنطقة إلا بأنه خطوة على طريق تنفيذ المشروع التقسيمي المرسوم للمنطقة، أو خريطة التقسيم التي أقرّها برنارد لويس في ثمانينيات القرن الماضي، عبر جلسة سرية للكونغرس الأمريكي، والتي تتضمن تمزيق المنطقة وتجزئتها إلى إثنيات وطوائف وقوميات وحتى عشريات تحقيقاً لمصالح أميركا و«إسرائيل»، وهذا ما أكد عليه أيضاً معهد «الوارف» الأمريكي في كل دراساته التي مهّدت لما يسمى «الربيع العربي» الذي تراهن الولايات المتحدة الأمريكية، وتعزف عليه في تنفيذ مشروعها التقسيمي، وبخاصة إذا ما ربطنا خطوتها هذه بدعوة تنظيم «داعش» الإرهابي الأسبوع الماضي أيضاً، وفي التوقيت نفسه أيضاً، جميع أمازيغ ليبيا والجزائر ومالي إلى مبايعة زعيم التنظيم الإرهابي مستخدماً في بيانه اللغة الأمازيغية حصراً.
إذاً، هذه التحوّلات المتجهة إلى إفريقيا، وإلى الأمازيغ حصراً، التي تقوم بها أميركا مع صنيعها «داعش» الإرهابي هي محاولة لاسترضاء الأمازيغ وإلحاقهم باللعبة أو الاستراتيجية الإرهابية التي تحاول أميركا وعملاؤها تطبيقها في المنطقة من دون أدنى التفات إلى أي شيء آخر، فهي ماضية في تنفيذ مشروعها التقسيمي، وما يظهر خلاف ذلك مجاف للحقيقة، ولاسيما بعد أن وصلت أولّ دفعة من القوات الأمريكية، بعد صفقات بين الأطراف الصانعة والداعمة للإرهاب، لتدريب ما يسمى «المعارضة» السورية إلى كلّ من السعودية وقطر وتركيا، هذه الدول التي بدأت استعداداتها لتدريب الإرهابيين على أراضيها، كما هي عادتها دائماً لإرسالهم من ثمّ إلى سورية تحت مسمّى «معارضة معتدلة» لمحاربة «داعش»، وهذه المعارضة هي نفسها «داعش»، فكراً وسلوكاً، ولا تقلّ إرهاباً عنه.
فأميركا لا يهمّها إلا مصالحها ومصالح «إسرائيل»، وليست معنيةً بأيّ شيء آخر، لا بموضوع مكافحة الإرهاب ولا غيره، فهي ليست معنيةً بجلسات الحوار السوري-السوري التي جرت في موسكو بين وفدي الدولة السورية و«المعارضة» تحت عنوان مكافحة الإرهاب والتصدّي لكلّ أجنبي إرهابي يدخل إلى الأراضي السورية.. إلى ما هنالك من النقاط التي جرت مناقشتها والتوافق عليها، وبخاصة ما يهمّ السوريين، وهو محاربة الإرهاب الذي حرمهم من الأمن والأمان تنفيذاً لمشروع أميركا التقسيمي الذي أفشله الصمود السوري فشلاً ذريعاً، ما اضطرها للاتجاه مع أدواتها ومرتزقتها نحو الدول الإفريقية وإعادة الكرّة فيها، ولاسيما تلك التي طالها ربيع الإرهاب، وكأن العرس الدموي هناك لا ينقصه إلا دف الإرهاب «الداعشي» وتمكين أقدامه على أراضيها.
إن ما تقوم به أميركا ينبئ بأنها تسير في وادٍ، هي وعملاؤها وأدواتها وتوابعها، وادٍ ماضٍ إلى نهاية عمقه الإرهابي، والعالم الأخلاقي المتحضّر يسير في وادٍ آخر، وذلك كلّه في سبيل تحقيق حلمها في السيطرة على المنطقة ونهب مواردها ولاسيما النفط وضمان أمن «إسرائيل» عبر مشروع تقسيمي تدميري، وكل ما يصدر عنها من تلميحات وتصريحات وبوادر على عكس ذلك لا ينفي هدفها الأهمّ الذي تسير إليه مع جوقتها في المنطقة من دون تلكؤ أو توانٍ ألا وهو التقسيم.. لكن سورية، القوة الرادعة في خط المقاومة الممتد وواسطة عقده، وعلى الرغم من محاولة خلط الأوراق التي تقوم بها «إسرائيل» بين الفينة والأخرى لتنفيذ الهدف الأساس من التقسيم الذي هو وجود «إسرائيل» قويةً إلى جوار دويلات طائفية قومية ضعيفة مفكّكة، لن تدع أيّ مشروع تقسيمي يطول أرضها أو أي أرض في الوطن العربي، وهي تقف الآن سداً منيعاً في وجه الجرف الإرهابي، مقاومةً كل أسلحته وإرهابه المتنقّل ومشروعه المفضوحة أهدافه ومراميه منذ بداية الفورة الربيعية.
بقلم: رغداء مارديني