استحقاقنا.. وما بعده- بقلم: علي نصرالله

أنجزَ السوريون استحقاقهم الدستوري على نَحو استثنائي ضربَ في الصميم مَنظومة العدوان، ودفنَ للأبد مُخططاتها ومشاريعها، ووجّه لها رسائلَ في مُنتهى الوضوح والبَلاغة والحكمة شأنُها في ذلك شأنُ كل الرسائل التي سَطّرها هذا الشعب الصامد العظيم، مع جيشه الباسل، ومع قيادته الشجاعة، خلال مراحل الحرب والعدوان، وأُعلنت نتائج الانتخابات الرئاسية التي لم تُثَبِّت فقط فَوز السيد الرئيس بشار الأسد بولاية دستورية جديدة عَكستها صناديق الاقتراع، بل ثَبّتَت سيادته قائداً استثنائياً، بطلاً قومياً، ورمزاً سياسياً دولياً، وعنواناً للصمود والشرف والكرامة الوطنية.

القراءةُ المَوضوعية لنتائج الانتخابات، ما سبقَها وما رافقَها، مع المشهد الأسطوري الذي رسمه الشعب السوري في الداخل والخارج، لا بُد أن تَقود إلى ما انتهينا إليه، وربما يَقرأ فيها كثيرون بُعداً آخر، بل أبعاداً أُخرى سياسية كونية بدلالة ما حصل في محطة الانتخابات، وبمحطات الاستهداف والعدوان ومُجريات الحرب التي لم تترك منبراً ولا وسيلة ولا حثالة ولا شعاراً كاذباً إلا واستُخدمت وجَرى تَوظيفها، لكنّ سورية بشعبها وقيادتها وجيشها أبت إلا أن تُسقطها، تُعريها، تَفضحها، وإلا أن تُعيد تَصحيح المَفاهيم والمَعاني الكاذبة الطائشة طيشَ أصحابها الواهمين المُتوهمين.

القراءةُ السياسية المَوضوعية لنتائج الانتخابات الرئاسية السورية، ولنتاج المرحلة بكل ما احتوته من مؤامرات ومحاولات تزوير وتحشيد وتشويه واستهداف، أيضاً لا بُد أن تَقود إلى المَطرح ذاته، ليُبنى عليها ويَتأسس الكثير مما سيُوجع قوى العدوان ومحورها بكامل مُكوناته، ببُنيته الصلبة وبالمُلحقات الرخيصة التي تُؤمر فتُطيع وتُرسخ بذلك خيانتها قبل تَفاهتها وسُخفها وانحطاطها.

كل قراءة سياسية، وأيّ قراءات أخرى ستَبقى بلا قيمة، وستَستغرق في الوهم والإثم إذا لم تَلحظ التحولات التي فَرضتها سورية، وإذا لم تَلتقط المُحددات التي تُؤكد أنّ مرحلة ما بعد مَشاهد اليوم لن تُشبه ما قبلها، وعليه فإنّ قوى الشر والعدوان فَهمَت أم لم تَفهم ذلك، فإنّ شيئاً لن يَتغير في حقيقة أنّ الإنكار فضلاً عن أنه لا يُجدي فإنه صار أقرب إلى الانتحار، ذلك أنّ انعكاس الانتصار السوري – سياسياً انتخابياً ومَيدانياً – لا يَكتفي فقط بقطع الطريق على أيّ محاولات التفافية، بل إنه يُبطل مرة واحدة وإلى الأبد روايات الكذب والنفاق، ويُغلق عليها الأبواب والبوابات ولا يُبقي لها مساحة من المساحات.

الشَّلالُ البشري السوري الهادر تأييداً للرئيس الأسد، السَّيل البشري السوري الجارف تصويتاً لخيارات سورية في الصمود والمقاومة والبناء، ليس ذلك مُجرد تفصيل انتخابي، وليس جُزئية تمر فقط بانعكاس وطني داخلي يعني سورية وحدَها، بل إنّ ما حصلَ ينطوي على ما هو أعمق وأهم، لماذا؟.. لأنه جَرى بمُواجهة طوفان عالمي مُنافق استنزفَ كل العناوين الكاذبة، واستهلكَ بسقوف مفتوحة مَقادير غير مَسبوقة من التضليل والتشكيك والتشويه.

الشلالُ والسيلُ السوريان، حقيقةٌ تُجدد الحَتميات التاريخية وتَفرض فهمَها حتى على الذين لا يُريدون أن يَفهموا، وإذا كانت هذه الحقيقة تَقهر الكثيرين، فإنّها كشفت وتكشف مَعدن هذا الشعب الأصيل، وقد أثارت وتُثير عدداً لا يَنتهي من الأسئلة التي مهما تَباينت الإجابات المُحتملة عنها، فإنها تَلتقي وتُجمع على أنّ سورية تَكتنز من عناصر القوّة ما يَكفي لتَصحيح مسارات التاريخ بتصويب المفاهيم وتَرسيخ القيم والمبادئ التي شَكلت بنك أهداف لليبرالية الجديدة وأدواتها القذرة في العَولمة.

لقد كان الاستحقاقُ السوري الانتخابي الدستوري مُناسبة لتَصنع سورية فيه ومنه حَدثاً تاريخياً يَتخطى حدودها، ولتَستكمل به مع حُلفائها وأصدقائها الناجز من الانتصارات التي لا تَهزم الإرهاب وتنظيماته والمُرتزقة ومُشغليها والمُستثمرين فيها فقط، بل لتَهزم مشاريع الهيمنة، وتَفوز بأصعب الامتحانات فتكتُب صفحات أمجاد مجيدة جديدة تَفتح بها الأُفق لشعوب العالم وحَركات التحرر لتَستهدي بضياء سوري لا يَنطفئ.

انتظروا المَزيد من سورية التي تَمتلك الرواية الكاملة، التي تَقبض على التاريخ وهي مُذخرة بالإرادة الفولاذية في صلابتها وتَماسكها، والأهم ربما أنها في المشروع الذي تُؤمن به لا يَغيب عنها تَفصيل أو جُزئية، على أنّ الأكثر أهمية يتجلى بأنّ مروحة خياراتها غنيّة للحدود التي من شأنها أن تَقلب الموازين وتُغيِّر المُعادلات.. استحقاقُنا مفصلٌ، ما بعدَه يَنتمي لمُقدماته الأسطورية السورية، وسيَحجز مساحات تحت الشمس لن تَستوعبها القوى الصهيو – أطلسية.

انظر ايضاً

في الجهة الخطأ.. بقلم: علي نصر الله

تطرح الأحداث الجارية على الساحة الإقليمية والدولية – حتى قبل تفجّر النزاع في أوكرانيا، وعليها …