واشنطن-سانا
من جديد يعود الرئيس الأميركي باراك أوباما ليقدم خطابا يحمل الكثير من التناقضات المتجاهلة للوقائع الميدانية إضافة إلى الإسهاب بطرح الوعود والنصائح التي أثبتت سنوات ولايته الأولى والثانية تجاهله تنفيذها او عدم قدرته على الوفاء بها.
وفي أحد الأدلة على هذا الحال تباكى أوباما في خطابه عن حالة الاتحاد الذي ألقاه الليلة الماضية أمام الكونغرس الأميركي ونقلته وكالات الأنباء على ضحايا الإرهاب الذي أسهمت بلاده والإدارات الاميركية المتعاقبة في صناعته ودعمه معبرا عما سماه “التضامن” مع جميع ضحايا الإرهاب من المدرسة في باكستان إلى شوارع باريس متناسيا بشكل متعمد الدور الذي قامت وما زالت تقوم به إدارته في دعم وتمويل وتسليح التنظيمات الإرهابية وتمددها وهو ما تجلى مؤخرا من خلال الإعلان عن إرسال نحو ألف جندي أميركي للمساهمة في تدريب ما يسمى المعارضة المعتدلة في سورية والتي تؤكد الوقائع وشهادات المتابعين والخبراء أن ارتكاباتها وممارساتها على الأرض تتساوى مع أعتى التنظيمات الإرهابية وفي مقدمتها تنظيما داعش والنصرة الإرهابيان.
وطلب أوباما من الكونغرس الاميركي منحه “صلاحيات إضافية لتمكينه من استخدام القوة العسكرية الاميركية لمطاردة تنظيم داعش الإرهابي” الذي قدم وعدا إضافيا بالانتصار عليه.
وقال: “سنواصل طرد الإرهابيين وتدمير شبكاتهم ونحتفظ لنفسنا بحق الرد من طرف واحد” معتبرا أن منح إدارته الدعم في عملياتها العسكرية ضد تنظيم داعش يوفر لها السلطة التي تحتاجها لشن الحرب من أجل هزيمة من وصفهم بالإرهابيين في العراق وسورية.
وأضاف إن “هذا المجهود سيستغرق وقتا وسيتطلب التركيز ولكننا سننجح”.
يذكر أن التقارير الإخبارية ووكالات الأنباء الدولية تفيد بأن الولايات المتحدة نفذت حتى الآن عشرات الغارات الجوية على مواقع الإرهابيين منذ أيلول الماضي دون أن تأتي بأي نتيجة في القضاء أو حتى إضعاف تنظيمي داعش والنصرة حيث استندت هذه الغارات إلى صلاحيات تنص عليها قوانين أقرت في أعقاب هجمات أيلول عام 2001 لمكافحة تنظيم القاعدة .
وبحسب مراقبين فإن هذا الطرح الذي يقدمه أوباما ليس إلا تكرارا لخطاب تضليلي اخر حاولت في حينه الإدارة الاميركية تعميمه حول جهودها لمحاربة ما تسميه الإرهاب من خلال غارات جوية لم تؤد حتى الآن إلى أي نتائج ملموسة على الأرض فيما تواصل هذه الإدارة دعم الإرهاب في سورية تحديدا وبطرق ومسميات أخرى.
وفي ترديد لخطاب الإدارات الأميركية السابقة حول شعاراتها الفارغة بشأن “احترامها ” لحقوق الإنسان وادعائها الدائم بالحفاظ عليها قال أوباما “إننا بوصفنا أميركيين نحترم الكرامة الإنسانية لهذا السبب نقول إننا ضد انبعاث العداء المؤسف للسامية في بعض أرجاء العالم ولهذا السبب نواصل رفضنا للسلوك المكرر المهين ضد المسلمين الذين يقاسمنا القسم الكبير منهم التزامنا بالسلام” معددا إنجازاته في هذا السياق بالقول “لهذا السبب منعت التعذيب وعملت من أجل استعمال تكنولوجيا جديدة مثل الطائرات بدون طيار واستمريت بالدفاع عن حرية التعبير وعن السجناء السياسيين وإدانة قمع النساء والأقليات الدينية أو المثليين”.
وكانت تقارير كشفت في الأشهر الأخيرة عن استمرار المخابرات المركزية الأميركية في استعمال وسائل تعذيب قاسية في التحقيق مع المعتقلين بتهم تتعلق بالإرهاب.
وتابع أوباما في خطابه تكرار وعوده حول إغلاق معتقل غوانتانامو الذي كشفت التقارير حدوث ممارسات تعذيب فيه وانتهاكات للقوانين الدولية وقال “حان الوقت لانهاء العمل ولن اتخلى عن جهودي لإغلاق السجن” مضيفا ” بوصفنا أميركيين نحن ملتزمون بالعمق حيال العدالة وهذا الأمر ليس له أي معنى لصرف ثلاثة ملايين دولار على كل سجين للحفاظ على سجن يندد به العالم ويستغله الإرهابيون للتجنيد”.
وادعى أوباما بأنه “منذ أن أصبح رئيسا عمل بشكل مسؤول من أجل تقليص نصف السجناء في غوانتانامو وقد حان الوقت حاليا لانهاء العمل في هذا السجن”.
يذكر أن أوباما سبق له ووعد بالعمل على إغلاق سجن غوانتانامو منذ إعلانه عن حملته الانتخابية الأولى وهو ما لم يتحقق حتى الآن متذرعا في أكثر من مرة بمعارضة يمكن أن يلقاها في الكونغرس.
وحول العلاقات مع روسيا واصل أوباما ادعاءاته بأن بلاده “تدافع عن المبدأ القائل بان القوى العظمى لا يمكن أن تذل الصغيرة من خلال معارضتها لما سماه الاعتداء الروسي ودعمها للديمقراطية في أوكرانيا وطمأنتها لحلفائها في الحلف الأطلسي”.
ويؤكد مراقبون أن هذه الطروحات تمثل تناسيا واضحا لما تقوم به الولايات المتحدة منذ وقت طويل من محاولة فرض إرادتها على مختلف دول العالم خدمة لمصالحها الخاصة.
وفي موضوع الملف النووي الإيراني هدد الرئيس الاميركي باراك أوباما اليوم الكونغرس باستعمال حق النقض في حال رفع إليه أعضاء مجلسي النواب والشيوخ قانونا حول عقوبات جديدة على إيران مشيرا إلى أن فرض عقوبات جديدة على إيران “سيعني فشل الدبلوماسية”.
وتابع أوباما: “حتى الربيع أمامنا فرص لإمكانية التفاوض على اتفاق كامل يمنع إيران من امتلاك سلاح نووي ويؤمن أمن أميركا وحلفائها بمن فيهم اسرائيل مع تحاشي نزاع جديد في الشرق الأوسط “.
وحذر أوباما من “أنه لن تكون هناك أي ضمانة إلا في حال تكللت المفاوضات بالنجاح وأنا أحتفظ بكل الخيارات على الطاولة من أجل منع وجود ايران نووية”.
وفي جانب آخر دعا أوباما إلى رفع الحظر الاقتصادي عن كوبا وقال: “هذا العام يجب أن يبدأ الكونغرس العمل من أجل وضع حد للحظر” الذي تفرضه واشنطن على هافانا منذ أكثر من نصف قرن.
كما دعا الرئيس الأميركي إلى تسريع اتفاقات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي ومنطقة اسيا والهادىء طالبا من الكونغرس تبني اجراء لتسريع المفاوضات وقال : “أطلب من الفريقين تفويضي صلاحيات كبيرة للمفاوضات التجارية من أجل حماية العمال الاميركيين مع إيجاد اتفاقات تجارية صلبة مع آسيا وأوروبا هي لا تحمل فقط الحريات ولكنها ستكون مناسبة”.
وأضاف “حاليا تريد الصين أن تكتب قواعد في منطقة آسيا والهادىء التي تنمو بأقصى سرعة .. هذا الأمر يضع عمالنا وعمال شركاتنا في موقف صعب.. لماذا نترك هذا الأمر يمر .. يجب أن نكتب هذه القواعد”.
وحول الوضع الاقتصادي لبلاده اعتبر الرئيس الاميركي أن الولايات المتحدة تدخل عهدا جديدا و”طوت صفحة ركود شديد”.
وفي سياق آخر حض أوباما الكونغرس الأميركي على تبني قانون يضمن المساواة في الاجور بين الرجال والنساء وتعهد بالعمل من أجل أن تكون اجازات الأمومة والمرض مدفوعة.
وقال في خطابه: “لا شيء يزيد في مساعدة العائلات لجمع الطرفين سوى الاجر لهذا السبب يجب على هذا الكونغرس أن يتبنى أيضا قانونا يضمن بأن يكون أجر المرأة مثل أجر الرجل عندما يمارسان نفس الأعمال”.
وندد أوباما بكون الولايات المتحدة هي “الدولة الصناعية الوحيدة” على الكرة الأرضية التي لا تدفع إجازات الأمومة أو الإجازات المرضية.
يذكر أن أوباما الذي تسلم السلطة في العام 2008 يحاول إبعاد اقتصاد بلاده عن حافة الهاوية وقرر أمس تحويل اهتمامه إلى نقطة فشل بارزة في مرحلة التعافي وهي الفارق الهائل في الدخل بين الأثرياء متوسطي الدخل متعهدا بالعمل من أجل المساواة في الدخل وذلك بعد شهرين على توجيه ناخبين مستائين ضربة كبرى إلى حزبه أدت إلى خسارته في الانتخابات إلى الكونغرس.
كما تشهد الولايات المتحدة في عهد أوباما شرخا كبيرا على المستوى العرقي حيث تبدو عائلات البيض أكثر ثراء بمعدل 14 إلى 15 ضعفا مقارنة بعائلات السود أو من أصول لاتينية.
وصرح الخبير الاقتصادي جاستن وولفرز من معهد بيترسن للاقتصاديات الدولية أن “ثمار التعافي الاقتصادي تذهب بشكل غير منطقي إلى فاحشي الثراء في الولايات المتحدة”.
فيما يشير المحللون الاقتصاديون إلى أن نسبة العاطلين عن العمل المتدنية تخفي ظاهرة تخلي ملايين الاميركيين في سن العمل عن البحث عن وظيفة حيث صرح الاقتصادي الأميركي بن زيبرر من مركز واشنطن للنمو المنصف بان “البطالة أدنى الآن بالطبع لكن هذا عائد إلى حد كبير إلى أن الكثير من الناس انسحبوا من الكتلة العاملة”.