دمشق-سانا
140 فناناً وفنانة شاركوا في دورة هذا العام من معرض الخريف السنوي الذي تقيمه مديرية الفنون الجميلة بوزارة الثقافة بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين حيث ضمت هذه التظاهرة اللافتة أكثر من 300 عمل فني تنوعت بين تصوير ونحت وحفر وغرافيك لتصير هذه الفعالية بمثابة مهرجان وطني تجلت فيه مختلف
الأساليب والمدارس التشكيلية من الواقعي إلى التجريبي والانطباعي مروراً بالتعبيري والسريالي.
وضم المعرض الذي افتتحه ظهر اليوم وزير الثقافة عصام خليل في خان أسعد باشا عشرات الرؤى الفنية المعاصرة التي تجلت فيها شخصية الفنان السوري وقدرته العريقة في محاكاة مختلف اتجاهات ومذاهب الفن التشكيلي العالمي فبرزت اللمحات الحروفية والمصفوفات البصرية ذات البنائية المعمارية المتصلة بالتراث
العربي والإسلامي ذات البعد الحضاري المتجذر في هوية المدينة العربية في سورية وقدرة هذه المدينة على صياغة فنونها ومحترفاتها المعاصرة وفق تواصل معرفي وإبداعي مع دورات معرض الخريف الذي بدأ أولى دوراته عام 1951 بدمشق تزامناً مع معرض الربيع الذي كان يقام وقتها في حلب.
واشتغل الفنانون المشاركون على موضوعات عدة في دورة هذا العام منها ما كان ذا طابع إنساني ومنها ما ذهب نحو مسرحة لوحاته وتقديم مضامين سورية ذات أبعاد عالمية سواء في أعمال التصوير أو أعمال النحت التي اقتربت من مناخات تشكيلية عالية وعبر سياقات لونية مترامية الدلالة وصولاً إلى ميدان اللغة الشعرية في الاتجاه الجديد للحروفية لتكون الصورة في مستواها الرمزي ذي البعد الإيحائي الدلالي ليكون فضاء خان أسعد باشا عامراً بطروحات تشكيلية نهلت مادتها البصرية من شخصية المدينة السورية ووجوه بشرها وحيويتهم الفائقة في رفض ثقافة الموت والاحتفاء بث قافة الحياة واللون والضوء.
وتميز المعرض الذي يستمر حتى السابع والعشرين من الشهر الجاري بأسماء فنية عديدة لها باع في الفن التشكيلي من أمثال طلال عبد الله والياس الزيات وأسماء فيومي وحيدر يازجي نقيب الفنانين التشكيليين الراحل الذي حمل المعرض صورة لوحته المشاركة بالإضافة إلى كل من سائد سلوم وعبد الرحمن مهنا وأكثم طلاع وغسان نعنع وإدوار شهدا وإسماعيل نصرة وأنور الرحبي.
مديرية الفنون الجميلة تعهدت باقتناء معظم الأعمال المشاركة من قبل وزارة الثقافة على أن تشارك هذه الأعمال فيما بعد في الملتقيات الفنية العربية والدولية كما حدث مؤخراً في المعرض الذي أقامته مديرية الفنون الجميلة في العاصمة الفنزويلية كراكاس حيث لاقت أعمال الفنانين السوريين رواجاً كبيراً في الأوساط الفنية الفنزويلية.
وقال وزير الثقافة عصام خليل لسانا إن “هذا المعرض يشكل فرصة طيبة للاطلاع على الفن التشكيلي السوري وغناه وعلى تطوره بالمرحلة السابقة عبر لوحات استمدت معظم افكارها من الواقع السوري لكنها عاشته بأمل الانطلاق من هذه اللحظة الشاحبة لكتابة رسالة للعالم كله أننا صناع الحياة وسنبقى مهما حصل”.
فيما اعتبر إحسان العر رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين أن استمرارية إقامة المعرض هو إنجاز كبير في هذه الظروف مشيرا إلى أن الأعمال المقدمة تعتبر خلاصة إنتاج عام كامل من الأعمال الفنية لكبار الفنانين التشكيليين وهو مدرسة يمكن أن يستفيد من خبرتها الفنانون الشباب.
وقال عماد كسحوت مدير الفنون الجميلة إن المعرض الذي أقامته مديرية الفنون الجميلة بالتعاون مع اتحاد الفنانين التشكيليين ضم 135 عملا فنيا بين تصوير زيتي ونحت وغرافيك لفناني سورية التشكيليين الكبار مشيرا الى أن المديرية تدعو دوما كل التشكيليين السوريين للمشاركة في المعارض كما أن حرص هؤلاء
على التواجد دليل على سعي الفنانين التشكيليين للحضور مهما كانت الظروف.
وبرزت مفردات العيش السوري المعاصر في دورة هذا العام من معرض الخريف حيث قال الناقد عمار حسن معلقاً على الأعمال المشاركة.. “من جماليات الفن السوري أنه تمتع على مدى سنوات طويلة بمساحة كبيرة من الحرية فطروحات الفنانين السوريين غير خاضعة لأي بعد إيديولوجي إلا أن هواجس فناني الستينات كانت مختلفة عما نشاهده اليوم في التشكيل السوري حيث تتحلى هذه الأعمال بنزعتها نحو احتواء مختلف المدارس الفنية لكن يبقى لكل فنان الحق في انتقاء أساليبه وموضوعاته التي غالباً ما تعكس هواجسه الذاتية”.
وشارك الفنان أنور الرحبي بلوحة أسماها عرس مريم وصور خلالها عرسا سوريا مؤجلا بسبب ظروف الأزمة مشيرا إلى أن اللوحة صورت معاناة الشعب السوري في هذه الأزمة.
ولفت الرحبي إلى أنه حاول في لوحته “تصوير حزن الناس في سورية الذي يعم كل شيء”.
وتحت عنوان بقايا قدمت الفنانة التشكيلية جميلة كاترينا لوحة صورت فيها ولادة الإنسان ومراحل حياته ومشاكله لتجسد فكرة أن الإنسان عندما يموت لا يبقى منه إلا صورة على الحائط مبينة أن أساس لوحتها هو تصوير ظروف الموت والحياة باستخدام ألوان زيتية حارة تدل على الحياة كون المعرض يوصل فكرة للعالم “أننا موجودون ولم نمت بعد ونحاول ممارسة حياتنا الطبيعية”.
فيما اختار النحات غازي كاسوح لمنحوتته اسم عبق الياسمين وعكست حالة تعبيرية مميزة واستخدم فيها منحوتته خشب الزيتون مشيرا الى انه اختار هذا النوع من الخشب لأنه مرتبط بالتراث والحضارة حيث حاول من خلال عمله الفني تصوير أنثى منتفضة ومنطلقة ليعكس بها صورة سورية المتجددة ذات الحضارة التي تمتد آلاف السنين.
وفي النحت أيضا قدمت النحاتة يسرا محمد قطعة فنية بعنوان القوة وجاءت كما أشارت النحاتة على شكل رأس ثور لترمز للقوة الداخلية التي تشعر بها دوما لافتة إلى أن المعرض خلق تجديدا من نوع خاص و”كسر حالة الجمود الموجودة على الساحة الفنية” عبر وجود ابتكار في الأعمال المشاركة.
وتحت عنوان ترانيم في حب المكان صور الفنان جمال العباس عبر لوحته امراة بأسلوب تعبيري تشير الى ارتباطها بالمكان وان الحياة مستمرة رغم ما نعانيه من ظروف قاسية مبينا أن المعرض تظاهرة تعبر عن “منحى حضاري تقدمي” وبأننا ما زلنا متفائلين بالمكان الذي وصل إليه الفنان السوري وحضوره المميز في الساحة العربية والعالمية.
أما لوحة الفنان سائد سلوم فصورت الإنسان الذي يخضع للفكر العدمي عدمية المادة والوجود حيث أشار الى أنه صور الكائنات الإنسانية في اللوحة ليست كما هي في الواقع وإنما بشكل تعبيري جمالي معتبرا أن معرض الخريف السنوي فرصة لتبادل تجارب فنية في مجال الفن التشكيلي لها لمسات فنية واضحة ترتبط بالواقع.
الدكتور فواز البكدش عميد كلية الفنون الجميلة اعتبر أن المعرض تقليد سنوي وفرصة لتقديم أعمال فنانين تشكيليين من شرائح اجتماعية مختلفة مشيرا إلى أهمية الفن التشكيلي في بث الحياة والروح في المجتمع ونشر الثقافة الراقية لافتا إلى مشاركة الفنانين الواسعة رغم الأزمة و”كلهم أسماء مهمة في عالم الفن التشكيلي ما يوصل رسالة واضحة بأن سورية تسترد عافيتها من جديد”.
وفي تقييمه للوحات اعتبر الفنان حسان حلواني أن اللوحات المقدمة رائعة وأعادت الروح لمعرض الخريف السنوي مشيرا إلى أهمية إقامته في خان أسعد باشا هذا المكان الأثري الجميل.
أما غادة سليمان مديرة خان أسعد باشا فأشارت إلى أن أهمية معرض الخريف السنوي تكمن في احتضانه عددا كبيرا من الفنانين في مجالات النحت والرسم واستقطاب عدد كبير من الجمهور في الخان كتحفة معمارية تستقبل إبداعات الفنانين التشكيليين لإقامة المعارض والنشاطات الثقافية المختلفة.
سامر إسماعيل وميس العاني