القدس المحتلة-سانا
تتوالى في الآونة الأخيرة الاعترافات الرمزية الصادرة عن دول غربية بدولة فلسطين حيث صوت أمس النواب الفرنسيون بغالبية 339 صوتا مقابل 151 على قرار يدعو حكومتهم إلى الاعتراف بهذه الدولة وذلك بعد مذكرة تقدم بها الحزب الاشتراكي الحاكم بزعامة الرئيس فرانسوا هولاند وهو الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات حول حقيقة هذا الاعتراف ومدلولاته وجدواه وخاصة في ضوء المواقف الراهنة للإدارة الفرنسية المتماهية مع مصالح كيان الاحتلال الإسرائيلي وداعمه الرئيس الإدارة الأمريكية.
ويأتي تصويت النواب الفرنسيين بعد مبادرات مماثلة قام بها نظراؤهم البريطانيون في شهر تشرين الأول وتبعهم في الشهر ذاته أعضاء مجلس العموم الايرلندي ثم لحقهم الإسبان في الثامن عشر من الشهر الماضي حيث دعا النواب بالمثل حكوماتهم إلى “الاعتراف بدولة فلسطين” كما روجوا التوصل إلى تسوية نهائية للصراع.
ويبدو لافتا في هذا السياق مطالبة أعضاء في الحزبين الرئيسيين في أستراليا العمال والليبرالي أيضا قبل يومين حكومة بلادهما بالاعتراف بدولة فلسطين مشيرين إلى أن “الاعتراف الدولى بدولة فلسطين هو السبيل الوحيد لإنهاء حالة الجمود وتحقيق السلام في منطقة الشرق الأوسط” مع العلم أن أستراليا هي إحدى أكثر الدول التزاما بالمواقف الأمريكية تجاه كيان الاحتلال الإسرائيلي ومنطقة الشرق الأوسط.
وتبعا للأنظمة والقوانين في هذه الدول الغربية فإن هذه الاعترافات ليست سوى مبادرات رمزية لا تلزم الحكومات القائمة بأي تبعات سياسية أو قانونية وهو ما يجعلها خطوات شكلية وتجميلية لن تؤثر في المسار القائم لسياسات الحكومات الغربية تجاه القضية الفلسطينية وقضايا المنطقة.
ولعل الدولة الأوروبية الوحيدة التي شذت عن ذلك هي السويد التي أعلنت في الثلاثين من تشرين الأول الماضي رسميا اعترافها بدولة فلسطين وذلك في أول خطوة من نوعها تتخذها دولة غربية عضو في الاتحاد الأوروبي وهو الأمر الذي قالت وزيرة الخارجية السويدية مارغوت فالستروم في أعقابه “إن لفلسطين أرضا وشعبا وحكومة ما يستدعي الاعتراف بها كدولة بمقتضى القانون الدولي” مضيفة “إن حكومة بلادها ترى أن حق تقرير المصير للفلسطينيين هو الدافع وراء الخطوة بغض النظر عن عدم سيطرتهم على كامل أراضيهم”.
وتستدعي الاعلانات الشكلية عن هذه الاعترافات التساؤلات حول توقيتها وجدواها ومدلولاتها وخلفياتها المستجدة فلطالما كانت الدول الغربية نفسها هي الداعم الأول لكيان الاحتلال الإسرائيلي في جرائمه وانتهاكاته وتثبيت وجوده الاستعماري على أرض فلسطين والسد الأول في وجه أي تحركات دولية للاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني.
وحتى اليوم تستمر هذه الدول نفسها في التآمر على دول المنطقة وشعوبها من خلال العمل على إثارة الخلافات والقلاقل وخلق الجماعات والتنظيمات الإرهابية ودعمها بالسلاح والمال ورفدها بالإرهابيين من مختلف دول العالم بغية تفتيت هذه الدول وشرذمتها وإضعافها وهو ما نراه بشكل جلي في سورية خلال السنوات الماضية وذلك كله خدمة لأهداف المشروع الصهيوني الذي يعمل على تقسيم المنطقة وتخريبها.
وبحسب مراقبين فإن هذه الاعترافات الرمزية والشكلية تشكل محاولة بيع مواقف تجاه الرأي العام الفلسطيني خصوصا والعربي والعالمي عموما بعد إسهام الدول الغربية في تكريس معاناة الشعب الفلسطيني على مدى العقود الماضية ولربما أيضا محاولة لإرضاء ضمير غاب طوال أكثر من مئة عام وعمي عن رؤية المجازر المتلاحقة التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين وأشقائهم العرب.
ويمكن القول بشكل جلي إن هذه الاعترافات لابد أن تكون محاولة لإيهام الرأي العام العالمي وتضليله بخصوص حقيقة المواقف الغربية تجاه قضايا المنطقة فكيف لحزب هولاند في فرنسا أن يطرح مشروعا للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة وهو حاليا من أكثر المحرضين على سورية والداعمين للمجموعات والتنظميات الإرهابية التي عاثت قتلا وتخريبا فيها على مدى السنوات الماضية.
إذا لن تغير هذه الاعترافات شيئا على الأرض كما أنها لن تغير النظرة إلى حقيقة الدور الخبيث الذي لعبته وما زالت تلعبه الدول الغربية في دعم الكيان الإسرائيلي المحتل والتآمر ضد مصالح الشعب الفلسطيني والشعوب العربية وهو الأمر الذي يتضح من خلال تمسك الشعب الفلسطيني وشعوب المنطقة بخيار المقاومة كسبيل لتحصيل الحقوق ومواجهة الهجمة الشرسة التي يتعرض لها الجميع بمختلف الأدوات الإرهابية والإجرامية والظلامية.
وفي ضوء ذلك فإن الفلسطينيين ومقاوميهم الذين خبروا وعانوا من جراء تلك المواقف الرسمية الغربية والتي قد لا تعدو كونها مسرحية قد لا يلتفتون كثيرا لمثل الإعلانات مع الترحيب بالحراك الذي تقوده سلطتهم لانتهاز فرصة هذه المستجدات لوضع الدول الغربية أمام مسؤولياتها ورفع ملف الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي وهو مشروع قد يصطدم بمحاباة الإدارة الأمريكية المعتادة لربيبها المعروف الكيان الصهيوني وبرفع الفيتو الأمريكي في وجهه.