قد لا نجافي الحقيقة لو جزمنا بأن طي ملف الأزمة السورية بات وشيكاً، وأن الحل هنا بات خياراً قسرياً للأطراف الداعمة والراعية للإرهاب، وهو ما يمكن استنتاجه استنتاج اليقين من المآلات التي وصلت إليها مجريات ومتعلقات الميدان العسكري والأروقة السياسية الدولية، وتداخل الأوراق في حبكة السيناريو المرسوم لخارطة وإحداثيات التخريب الممنهج في الداخل السوري.
وهنا نجد أنفسنا أمام حتمية تقديم القرائن والأدلة الداعمة لهكذا استنتاج، ولعل في الميدان الداخلي من الوقائع ما يعزز وجهة النظر هذه، التي ترقى إلى مستوى الحقيقة، كما لدى المطلعين على مجريات كواليس السياسة الدولية، وغرف الظل المخصصة لإدارة حراك الإرهاب في سورية، ما يشي بشيء ما سيُعلن على شكل مواقف مفاجئة لدولٍ كبرى مؤثرة بالفعل التخريبي في سورية.
فقد لا يملك أي متابع لتطورات المواقف المتزاحمة هذه الأيام تجاهل المتغيّر الحاد والنوعي الذي يبدو على شكل حرب اقتصادية عالمية ساخنة على وشك الاندلاع بين الأقطاب الكبار في هذا العالم، وقودها براميل نفط الخليج، وجزء مهم من مقدّماتها يتموضع هنا في المضمار السوري، ولا نعتقد أن ثمة مصلحة لـ “الكبار” في هكذا حرب جوهرها اقتصادي ومؤداها سياسي-عسكري، وإن ارتأى آل سعود غير ذلك، فعلى الأرجح هم في مرحلة الاحتضار انتحاراً، والمؤكد أن ليس لدى حلفائهم الكبار الرغبة بأن يحذوا حذوهم.
لقد أشعل آل سعود فتيل حرب النفط على روسيا وإيران وفنزويلا والعراق والجزائر كمنتجين رئيسيين في منظومة أوبك، وأطلقوا العنان لأكبر عملية إغراق في تاريخ أسواق النفط العالمية، في استهدافٍ مباشر للاقتصادين الروسي والإيراني، اللذين يعتمدان على الصادرات النفطية بنسبة 50 بالمئة من إجمالي العائد القومي.
وما يمكن الجزم به أن ردة الفعل الروسية والإيرانية لن تكون ودّية وخجولة على الخسائر التي ستتسبب بها المغامرة السعودية على اقتصادي البلدين، بل ثمة ما يجب انتظاره وسيظهر قريباً عبر البوابة السورية، ميدان الرد المناسب الآن، وبالوقت ذاته مضمار الانكسار السعودي، التي تحاول الأخيرة جبره عبر اللعب بنار البترول.
وتوقعوا أن تكون الصفعة المباشرة لآل سعود قادمة من الحليف الأمريكي، الذي يجري تطمينه بأن ثمة مكاسب كبيرة سيجنيها على صعيد انتزاع أوراق رابحة من إيران فيما يخص الملف النووي، ومن روسيا بشأن الأزمة الأوكرانية، فالأمريكي يدرك أنه سيكون أكبر الخاسرين، وهو الذي لوّح بامتيازات النفط الصخري، وأعلن بداية حقبة التملص من التزاماته نحو آل سعود، لأسباب تتعلق بصيانة احتياطياته النفطية، فالسعودية أوصلت الأسعار إلى مادون تكاليف استخراج النفط الصخري “80 دولاراً للبرميل فيما الأسعار قاربت حدود 70دولاراً”، وهذا ما يفهمه الاستراتيجيون الأمريكيون على أنه حرب ضد أمريكا وليس فقط ضد روسيا وإيران.
والمتوقع أيضاً أن تكون الصفعة الأمريكية للسعودية ودول الخليج هنا في المضمار السوري، بالتزامن مع الصفعة المُحضّرة للتركي على خلفية تنازع المصالح الذي أُعلن رسمياً على لسان جو بايدن في آخر زيارة له إلى أنقرة.
المؤشرات الأخرى التي يمكن الركون إليها تتعلق بمأزق الجماعات المسلحة.. ووقائع التناحر الحاد بينها، والنزاعات على المكاسب المادية، وانتشار تجارة الحشيش والمخدرات، وعمليات القرصنة والسطو المسلح والاختطاف، وغير ذلك من تجليات حقيقة هذه الجماعات، التي انطلقت كأذرع خارجية تحت عناوين سلسة، وكلها ملامح انهيار أفضت إلى ترسيخ قناعات جديدة لدى الراعي والداعم بانعدام جدوى الرعاية والدعم، ولدى المجتمعات المحلية الحاضنة التي بدأت “تتقيأ” هؤلاء وتغيّر اتجاهاتها، بدليل تواتر اتساع طيف المصالحات الوطنية وعودة الكثير من المناطق إلى حضن الوطن، وهي قرينة يمكن تجميع صورها ومعاينة مشهد يؤكد أن هذه الجماعات بدأت تأكل ذاتها بالفعل.
هي معطيات لا يمكن قراءتها إلّا من هذه الزاوية، وانتظار التحولات الكبرى على أيدي أبطال الجيش العربي السوري، وأغلب الظن أن الانتظار لن يطول.
بقلم: ناظم عيد