موسكو بكين.. عالم جديد يتشكّل _ بقلم: عبد الرحيم أحمد

مع بداية الثورات الملونة على الحدود الجغرافية لروسيا (جورجيا 2003 وأوكرانيا2004) وصولاً إلى ما أطلق عليه اسم (الربيع العربي) الذي انطلق من تونس عام 2010، لم تكن الولايات المتحدة تحضّر المسرح العالمي لنظام عالمي جديد بقدر ما كانت تسعى إلى تكريس القطبية الأحادية كقدر محتوم على صدر شعوب العالم.

وهي وإن نجحت في بعض مفاصل تلك (الثورات) كما في جورجيا وأوكرانيا وفي مصر (لفترة وجيزة)، إلا أنها فشلت في أهم مفصل، وهو سورية التي استطاعت من خلال تصدي الدولة والشعب والجيش للمجاميع الإرهابية وللفصائل المسلحة التي جرى تدريبها وتحضيرها للاستيلاء على السلطة وفق نهج (الثورات الملونة) لتصبح سورية كما جورجيا وأوكرانيا تدور في الفلك الأميركي مع ما يعنيه ذلك من سيطرة أميركية مطلقة على الشرق الأوسط والتحكم بمقدراته وتحريكه بـ (الريموت كونترول) أينما ترغب واشنطن.

فحسابات الحقل الأميركي أربكتها حسابات البيدر السوري، وبالرغم من تضرر سورية وشعبها على مدى اثني عشر عاماً من حرب دموية إرهابية شاركت فيها تنظيمات إرهابية ومرتزقة من أكثر من مئة دولة، خرجت سورية منتصرة على المخطط الأميركي، وكسرت إرادة الغرب الاستعماري بدعم من حلفائها في موسكو وطهران وبيروت.

والاشتباك الحاصل اليوم في أوكرانيا وسورية رداً على المخطط الأميركي ستحدد نتائجه معالم العالم الجديد سواء لجهة تغّول الهيمنة الأميركية، وهذا مستبعد، أم لجهة انتهاء عصر الأحادية القطبية التي تقودها الولايات المتحدة في حال انتصر محور موسكو بكين دمشق طهران في هذه المواجهة الحاسمة، وهذا المتوقع.

جميع المؤشرات اليوم تقود إلى التحليل المنطقي بأن محور موسكو بكين يسير على طريق الانتصار وإن تأخر موعده. فالضربة الموجعة التي وجهتها بكين لواشنطن بتوسطها بين السعودية أكبر حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإيران التي تعد أكبر أعداء واشنطن في المنطقة، إلى جانب التقدم الذي تحققه موسكو في حربها ضد الناتو في أوكرانيا، وكذلك الانفتاح السياسي العربي على دمشق، مقدمات لإعادة تشكيل الخريطة السياسية على الساحة الدولية وفق تحالفات جديدة تخسر فيها الولايات المتحدة مساحات من سطوتها وهيمنتها العالمية.

والحركة السياسية المكثفة التي تشهدها عواصم المحور الروسي الصيني ومنها سورية وإيران، ترسم معالم العالم الجديد الذي يتشكل اليوم على حساب الأحادية القطبية، فزيارة الرئيس بشار الأسد إلى موسكو منتصف الشهر الجاري وبعدها بأيام إلى الإمارات العربية المتحدة مع ما تحمله هاتان الزيارتان من مؤشرات على تحطم قيود الحصار الأميركي، تشكل ضربة أخرى للهيمنة الأميركية.

فسياسة الغطرسة الأميركية ومحاولاتها محاصرة روسيا والصين وإيران أدت إلى مفاعيل عكسية، سرّعت في توطيد التحالفات بين الدول المناهضة للهيمنة الغربية، وعززت التعاون الروسي الصيني الذي يتطور يوماً بعد يوم في ظل استهداف واشنطن للبلدين، وما زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى موسكو حالياً وزيارة الرئيس البرازيلي لولا داسيلفا إلى بكين قبل نهاية الشهر الجاري سوى خطوط لحدود العالم الجديد الذي يتشكل.

السعودية التي كانت على مدى عقود الحليف الأكبر لواشنطن في منطقة الشرق الأوسط واستخدمتها الولايات المتحدة لتمويل الحروب في المنطقة، تبحث عن مسارها الخاص الذي يحقق مصالحها الإستراتيجية وتتبنى الحوار سبيلاً لحل خلافاتها مع محيطها في خروج واضح عن مسار تحالفها التقليدي مع واشنطن.

إن مسار إعادة تشكيل العلاقات في الشرق الأوسط ولاسيما استعادة العلاقات الدبلوماسية بين طهران والرياض والزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إلى الرياض تلبية لدعوة السعودية بعد اتفاق بكين بأيام إضافة إلى الحديث عن إعادة العلاقات مع سورية وفتح سفارتها في دمشق، هو جزء من إعادة تشكيل العالم الجديد.

المخاض الذي تعيشه المنطقة وامتدادها إلى بكين وموسكو سيولد منه عالم جديد يقوم على التعددية والشراكة والعدالة والقانون الدولي بعد أن ذاق العالم ويلات الهيمنة الأميركية وسياسة شن الحروب وتأجيج الصراعات التي أنهكت شعوب العالم وأدمتها.

متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency

انظر ايضاً

نقل الحرب إلى داخل روسيا لمصلحة من؟… بقلم: عبد الرحيم أحمد

لم تكن المحاولة الأوكرانية استهداف مبنى الكرملين بطائرات مسيرة مطلع شهر أيار الجاري محاولة جديّة