الشريط الإخباري

ليلة الكابيتول.. والفخ الديمقراطي- بقلم: أحمد ضوا

انشغل العالم خلال الأيام الفائتة بالحدث الأميركي واقتحام أنصار ترامب لمبنى الكونغرس الأميركي في مشهد غير مسبوق أدى إلى مقتل أربعة متظاهرين ودفع الكثير من المراقبين إلى تشبيه الولايات المتحدة بـ(دول الموز) ومنهم الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن.

لا أعتقد أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب المنتهية ولايته في العشرين من الشهر الجاري كان يتوقع أن يتمكن أو يسمح للمتظاهرين باقتحام الكونغرس، وغرد في “تويتر” عن رفضه لهذا الاقتحام الذي انتهى بإقرار جون بايدن رئيساً للولايات المتحدة وإطلاق حملات “ديمقراطية” لعزله.

في الولايات المتحدة أسئلة كثيرة حول مشهد اقتحام الكابيتول لا يسلط الإعلام الأميركي الضوء عليها وفي مقدمتها الخلل الأمني في حماية أهم مؤسسة تتباهى بها الولايات المتحدة في التعبير عن نظامها.. ومن المسؤول عن عدم تحصين وزيادة عدد أفراد الأمن أمام الكونغرس على الرغم من الإعلان عن المظاهرة قبل أيام؟ ولماذا هذا التساهل من أفراد الشرطة مع المتظاهرين على الرغم من المخاوف على حياة الأعضاء؟ وكيف عرف المتظاهرون بتفاصيل الجلسة؟ والأهم من ذلك تصرفات النواب وتعاملهم بعد إعلامهم بعملية الاقتحام والتي توحي بعضها بجاهزيتهم للتصرف في مثل هذه الأحداث وغيرها كثير؟

ليس من المعلوم أن تكشف التحقيقات الجارية حول عملية الاقتحام والتي أدت إلى استقالة المسؤول عن حماية الكونغرس من منصبه عن حقيقة ما حدث ولكن في العلم الجنائي يبحثون دائماً بعد كل جريمة عن المستفيد منها وهنا ينحصر الأمر بالديمقراطيين فقط.

لا أعتقد أن ترامب كان يتوقع أو يرغب في الوقوع في هذا المطب وكان يتمنى أن يذهب المتظاهرون إلى التعبير عن رفضهم لعمليات التزوير وسرقة الانتخابات التي يتحدث عنها سعياً لتعم هذه المظاهرات كل الولايات التي فاز فيها والتي يزعم بحدوث تزوير انتخابي فيها واقتحام الكونغرس أطاح بذلك وما كان أمام ترامب إلا الإعلان عن سعي البيت الأبيض لتسليم السلطة إلى الرئيس بايدن بيسر وسهولة.

تحاول (السلطة العميقة) في الولايات إزالة مشهد اقتحام الكونغرس من قبل متظاهرين مقتنعين بتزوير الانتخابات الرئاسية من الواقع الديمقراطي والسياسي والإعلامي الأميركي عبر التركيز على الديمقراطية الأميركية وسلطة القانون، ولكن حقيقة الأمر ان هذا المشهد سيكون مفصلاً في التاريخ الأميركي.

يركز الديمقراطيون على الترويج بأن كل من اقتحموا الكونغرس تلقوا التوجيهات من ترامب وتحميله المسؤولية القانونية وتبعاتها في إطار سعيهم لمحو هذا المشهد من ذاكرة الأميركيين والتعمية على التداول الواسع حول تزويرهم الانتخابات والأهم من ذلك إبعاد مسؤولية الاقتحام عنهم في ظل خضوع سلطة حماية الكابيتول للأغلبية الديمقراطية والاتهامات لعناصر الحماية بعدم استخدام السلطة الممنوحة لهم لمنع المتظاهرين من الدخول إلى المجلس.

إن التعامل الدولي مع هذا الحدث والتحليلات والفرضيات التي تناولتها وسائل الإعلام اتسم الكثير منها بالانفعالية والمواقف المسبقة من شخصية ترامب المثيرة للجدل وكانت الانتقادات الموجهة إلى النظام الديمقراطي الأميركي وخاصة تشبيه (دول الموز) موجعة إلى حد ما لدرجة استدعت الرد من وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو الذي وصف ذلك بأنه (افتراء يكشف عن فهم خاطئ لجمهوريّات الموز وللديمقراطيّة في أمريكا).

لا أعتقد أن الدول التي تنافس الولايات المتحدة على قيادة العالم وفي مقدمتها روسيا الاتحادية والصين كانت منزعجة لرؤيتها مشهد اقتحام الكابيتول والقول الروسي إن ذلك أمر داخلي أميركي يحمل الكثير من الحكمة لمنع إعطاء الديمقراطيين ذريعة الزج بالتدخل الروسي بينما كان الرد الصيني بالغاً ومعبراً عبر مقارنة ساخرة على لسان المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون ينغ بقولها (إنه على الرغم من أن الأحداث في هونغ كونغ في 2019 كانت أشد خطورة من أحداث واشنطن لم يُقتل متظاهر واحد).. بينما غلب النفاق على الموقف الأوروبي بالإجماع على إلصاق التهمة بالرئيس ترامب رغم عدم إخفاء العديد من الأحزاب الأوروبية والمسؤولين انتقاداتهم للنظام الديمقراطي الأميركي والإشارة إلى الانقسام الذي يكرسه داخل المجتمع الأميركي.

من المستغرب ردة فعل بومبيو على الانتقادات الموجهة لبلاده من الداخل والخارج في ضوء قناعة الملايين من الناخبين الأميركيين بتزوير الانتخابات والإجراءات التعسفية التي اتخذتها الحكومة الأميركية بعد اقتحام الكابيتول بحق بعض المتظاهرين والتي تنوعت بين استخدام السلاح الحي ضد مقتحمي الكابيتول وإيقاف حسابات الإنترنت وفصل موظفين بالدولة لأنهم شاركوا في هذا الاقتحام ووصفهم بمفتعلي شغب في حين تعمدت إدارتا اوباما وترامب على وصف أدواتها الإرهابية في سورية بطالبي الحرية بينما الحكومة السورية لم تقم بإيقاف حسابات الإنترنت ولم تفصل إلا الموظفين الذين تورطوا في الإرهاب أو دعمه ولم تستخدم السلاح إلا ضد الإرهابيين الذين ارتكبوا أبشع الجرائم بحق السوريين.

لقد أنهت ليلة الكابيتول مسيرة ترامب في الحكم ولكنها فتحت مجالاً لصراعات داخل المجتمع الأميركي وبين الحزبين الجمهوري والديمقراطي كما فتحت ندبة كبيرة في جسد السياسة الخارجية الأميركية ستكون عرضة للنزيف الدائم في كل تعليق أميركي على ممارسة الديمقراطية في العالم.

انظر ايضاً

ما وراء طرح دولة منزوعة السلاح ..؟ بقلم: ديب حسن

أخفق العدوان الصهيوني في غزة وعرى الكيان العنصري أمام العالم كله، ومعه الغرب الذي يضخ …